لطالما ارتبطت صورة الرجل في المخيلة الاجتماعية بفكرة "الثبات الانفعالي" أي كتمان المشاعر وعدم إظهار الضعف، ورغم أن هذه الصورة قد تبدو دليلاً على القوة إلا أن نتائج استطلاع حديث كشفت جانباً آخر من الحقيقة.
أجرت "Movember Foundation" استطلاعاً أظهر أن ما يقرب من نصف الرجال في المملكة المتحدة يرغبون في البكاء مرة واحدة على الأقل كل شهر.
وأفاد الاستطلاع أن أكثر من نصف الرجال يشعرون بضغط مستمر لتحقيق النجاح وإثبات ذاتهم، بينما عبّر كثيرون عن شعورهم بالحاجة إلى أن يكونوا "رجالاً حقيقيين" دون أن يعرفوا بالضبط ما المقصود بذلك.
ضغوط الرجولة وأسطورة "الرجل القوي"
تقول سارة كوجلان، مديرة Movember UK: "يواجه الرجال والفتيان ضغوطًا هائلة للتماهي مع صورة نمطية بالية لما يعنيه أن تكون رجلاً وفي خضم ذلك يتجاهلون صحتهم النفسية والجسدية"، مشيرة إلى أن الإعلام يلعب دوراً في ترسيخ هذا النمط إذ تتحول دموع أي رجل في موقع عام إلى مادة للجدل أو السخرية.
على سبيل المثال حين ذرف وزير الخزانة البريطاني السابق جورج أوزبورن دموعه خلال جنازة مارغريت تاتشر، تصدرت صوره الصفحات الأولى وكأن الحدث بحد ذاته مثير للدهشة.
وفي الولايات المتحدة، واجه رئيس مجلس النواب جون بينر الموقف ذاته عندما بكى خلال خطابه الوداعي أمام الكونغرس، لتتسابق العناوين في وصفه بـ"السياسي الباكي"، وتتحول لحظته الإنسانية إلى "ميم" متداول على الإنترنت.
النقاش حول ما إذا كان من "المقبول" أن يبكي الرجل ما زال مستمراً وتنعكس آثاره سلباً على الصحة النفسية، إذ تربط العديد من الدراسات بين كبت المشاعر وبين ارتفاع معدلات الانتحار بين الرجال مقارنة بالنساء.
وفي دراسة منفصلة أجرتها مؤسسة Mind للصحة النفسية، تبيّن أن 80% من الرجال يفضلون كتمان قلقهم بدلاً من التعبير عنه رغم أن خبراء الصحة النفسية يؤكدون أن البكاء يمكن أن يساعد على تحسين المزاج والتخفيف من التوتر.
دموع الرجال بين الوصمة والصحة النفسية
تبدو المفارقة في أن إظهار المشاعر لا يعني الضعف بل قد يكون دليلاً على التوازن الإنساني، فحتى الشخصيات العامة التي اعتادت الأضواء لم تسلم من النقد عندما أظهرت مشاعرها مثل لاعب التنس العالمي روجر فيدرر، الذي لم يتردد في البكاء أمام الملايين على الهواء مباشرةً بعد فوزه في إحدى البطولات.
ربما يفتح هذا الباب لسؤال أوسع: متى سيتوقف بكاء الرجال عن كونه خبراً؟ فحتى الآن ما زال التعبير عن المشاعر بالنسبة لكثير من الرجال يُعد خروجاً عن "القواعد" رغم أن دمعة واحدة قد تكون الطريق إلى شفاء طويل الأمد.