قنبلة فجرها المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، الدكتور تيدروس أدهانوم غيبرييسوس، بتصريحه الذي قال فيه إن الوباء القادم أصبح مسألة وقت، وأنه يخشى تكرار سيناريو كوفيد-19 مرة أخرى، ما أعاد إلى الأذهان تحذيرات بل جيتس السابقة بشأن وباء أكثر فتكاً من كورونا، وهو ما أصبح متعارفاً عليه باسم "المرض X".
بالعودة إلى الوراء وفي عام 2022، اجتمع زعماء العالم في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس بسويسرا، وجمعت منظمة الصحة العالمية 300 عالم للنظر في 25 عائلة فيروسية وبكتيرية لإنشاء قائمة من مسببات الأمراض، التي يعتقدون أن لديها القدرة على إحداث الفوضى، ويجب دراستها بشكل أكبر، ومن بين تلك القائمة المرض X، الذي اعترفت به المنظمة لأول مرة في عام 2018.
الدكتور تيدروس أدهانوم غيبريسوس
وأوضح المدير العام لمنظمة الصحة العالمية خلال هذا اللقاء، أن كوفيد-19 ربما كان بداية "المرض X"، وتخشى منظمة الصحة العالمية أن يكون لدى "المرض X" القدرة على إثارة جائحة عالمية شديدة الخطورة، وخاصة أنه أكثر فتكاً 20 مرة من كوفيد-19، وفقاً لـ"Cbsnews".
وفي هذا الصدد، قررت "بوابة صحة" البحث خلف "المرض X"، الذي مازال غير محدد المعالم، ويُشكل خطراً غير مرئياً على العالم أجمع، والذي ربما يكون ناقوس خطر يدق من أجل إيقاظ العالم والاستعداد الجيد لاستقبال الجائحة الجديدة التي تبدو حتمية.
بدأت رحلة البحث من بريطانيا، حيث أوضحت د. فرح شاهي، وهي طبيبة بريطانية، متخصصة في الأمراض المعدية والأحياء الدقيقة الطبية في المملكة المتحدة لـ"بوابة صحة"، أن المرض X "ليس حقيقياً، ولكنه مجرد مفهوم تستخدمه منظمة الصحة العالمية "لمساعدتنا جميعاً على الاستعداد لأي جائحة قادمة، ومن المحتمل أن يكون سببها أحد الفيروسات".
وجاء هذا التصريح مشابهاً لما صرح به من قبل مسؤول كبير في مؤسسة بيل وميليندا غيتس "د.كريستوفر جيه إلياس: "العالم ليس مستعداً بشكل كامل بعد للتعامل مع أي جائحة في المستقبل، وهناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به"، وفي حديثه إلى "Press Trust of India"، على هامش الاجتماع السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي، أكد أنهم متحمسون للغاية لأن مجلس أمناء مؤسسة بيل وميليندا غيتس ، وافق على أكبر ميزانية لديهم على الإطلاق بقيمة 8.6 مليار دولار أمريكي لعام 2024، من أجل مواجهة الوباء القادم.
حقيقة أم خيال
ومن بريطانيا انتقلنا إلى الهند، حيث كان لعالم الأوبئة السريرية الهندي أميتاف بانيرجي رأياً آخر حيث كشف لـ "بوابة صحة" أن هناك فيروسات أكثر فتكاً من فيروس كورونا مثل داء الكلب، وتصل نسبة الوفاة فيه إلى 100%، وتنتشر بين الحيوانات، وبالتالي ينبغي على البشر الاستعداد لمثل هذه الفيروسات التي تنتشر بين الحيوانات، ويمكن أن تنتقل في أي لحظة إلى البشر، كما أن القلق وحده لن يكون كافياً للحماية من "المرض X"، وأضاف:"القطار المسرع سيقتلك إذا وقفت في طريقه، لكن هل يكون الحل أن نتجنب مساره فقط لكي لا يقتلنا؟".
وتابع بانيرجي أن هناك العديد من التساؤلات المثارة حول "أنفلونزا الطيور" وهل ستكون سبباً في الوباء المحتمل المستقبلي، لذا يحاول المجتمع الطبي القيام بالعديد من المحاولات لاستكشاف الوباء التالي قبل فوات الأوان، لذا يُستخدم الآن نموذج كمبيوتر يسمى EPINEST، يعمل على رسم خريطة من أجل تتبع فيروس أنفلونزا الطيور المنتشر في جميع أنحاء العالم.
وقد قام العلماء من مختلف التخصصات الذين يعملون في مشروع "One Health" بتطوير إطار عمل نموذجي لتتبع مسببات الأمراض أثناء انتشارها من الدواجن والماشية إلى البشر، أي من "المزرعة إلى المائدة".
وأضاف أن ما يثير القلق حقاً هو أن النموذج الذي تم تطويره واختباره لتتبع انتشار أنفلونزا الطيور من خلال شبكة من المزارع والأسواق ونظام نقل الدجاج داخل بنجلاديش، اكتشف زيادة معدل التوقعات بأن تكون أنفلونزا الطيور هي عدوى محتملة للأوبئة المستقبلية.
فيروس أنفلونزا الطيور
وللتأكد من احتمالية أن يكون "المرض X" هو "أنفلونزا الطيور"، تواصلت "بوابة صحة" مع د. غسان دبيبو، أستاذ الأمراض المعدية للأطفال والمراهقين، ومدير مركز أبحاث الأمراض المعدية بالجامعة الأمريكية في بيروت، والذي أشار إلى أن "المرض X" ليس فيروساً حقيقياً، وهو الاسم الذي أطلقته منظمة الصحة العالمية على الفيروس التالي الذي سيسبب وباءً، ويمكن أن تصبح العديد من الفيروسات المحتملة فيروس X مثل الأنفلونزا -بما في ذلك أنفلونزا الطيور- أو نوع آخر من الفيروسات التاجية، أو بعض الفيروسات الأخرى غير المعروفة حالياً.
وأكمل دبيبو أن الفيروس لابد أن يكون لديه القدرة على الانتقال بين البشر لكي يكون وباءً، وبالنسبة لأنفلونزا الطيور الحالية، والتي تسمى H5N1، هي نوع من فيروسات الأنفلونزا، التي حتى وقت قريب كانت تصيب الطيور فقط أو في بعض الأحيان البشر الذين كانوا على اتصال بالطيور المصابة -انتقال الطيور إلى الإنسان- ولكنها حتى الآن لم تنتقل بين البشر.
وبالنسبة لوتيرة انتشار أنفلونزا الطيور، واحتمالية أن تكون الوباء القادم، أوضح أن فيروس أنفلونزا الطيور الحالي المنتشر في عدة دول حول العالم، تمكن من إصابة الأبقار في الولايات المتحدة الأمريكية والانتقال بين الأبقار، حيث استطاع تعديل نفسه من خلال الطفرة، وأصبح الآن قادراً على الانتقال بين الأبقار -الثدييات بدلاً من الطيور- وبالتالي يسلط هذا التحول السريع الضوء على تطور الفيروس سريعاً، والوصول إلى القدرة الوبائية المحتملة والتحول إلى الفيروس X.
وعند الحديث عن هوية المرض X، نوه دبيبو أن المرض X يمكن أن ينتج من فيروس أو بكتيريا أو فطريات أو طفيليات: "حتى الآن، كانت الفيروسات فقط هي التي تسببت في حدوث أوبئة في القرن الماضي، ولكن في القرون السابقة، كانت البكتيريا مثل تلك التي تسبب الطاعون، سبباً في حدوث أوبئة موثقة".
وباء الطاعون
وبالنسبة لخطورة أنفلونزا الطيور، وإمكانية أن تكون "المرض X"، أكد أنه من غير المعروف مدى خطورة الفيروس بمجرد أن ينتقل بين البشر، ولكن أصاب عدد قليل من البشر نتيجة الاتصال بالطيور المصابة، ما أدى إلى دخول المرضى إلى العناية المركزة، وتوفي بعضهم حيث تقدر الوفيات بنسبة تتراوح ما بين 40-50٪ لذا قد يكون أو لا يكون أكثر فتكاً من فيروس كورونا (COVID-19)، وذلك اعتماداً على مدى تحوره بحلول الوقت الذي يصبح فيه قادراً على الانتقال سريعاً بين البشر.
أما عن إمكانية نجاة العالم من الوباء القادم بعد تعلم الدرس من فيروس كورونا، أضاف أن منظمة الصحة العالمية تعمل بالتعاون مع جميع وزارات الصحة في جميع أنحاء العالم على "التأهب للوباء"، ويتضمن ذلك التدريب وبناء القدرات في كل دولة لتكون قادرة على التعامل، كما يأمل أن تظل الدروس المستفادة من جائحة كوفيد-19 حاضرة، وأن تسمح بمعالجة الجائحة القادمة بشكل أفضل، ومن المؤكد أن العالم سينجو ولكن لن نعرف الضرر إلا بعد انتهاء الجائحة.
وفي معرض إجابته عن سؤالنا: هل الإنسان هو السبب وراء انتشار الوباء القادم؟ أجاب دبيبو أن البشر يساهمون دائماً في تطور الأوبئة، حيث أدى إنشاء المدن ذات النظافة السيئة إلى ظهور الأوبئة المتعددة في العصور الوسطى، كما ظهرت أوبئة الأنفلونزا وفيروس كورونا من الاتصال الوثيق مع الطيور والثدييات مثل الخفافيش أو الخنازير.
وأوضح دبيبو أن التجهيزات تتضمن التدريبات المستمرة بما في ذلك تحديد الحالات المشتبه فيها وعزلها باستخدام مجموعات الاختبار، التي سيتم تطويرها بعد وقت قصير من التعرف على المرض، والتثقيف الشامل حول المرض القادم والأعراض التي قد يسببها، والتأكد من العلاج إذا كان متاحاً، ويتم توزيعه بكفاءة وسرعة على جميع المراكز المخصصة لعلاج الحالات، ولابد من تنفيذ بروتوكول الاستعداد على أكمل وجه، وخاصة بعدما سلطت التجربة الأخيرة مع كوفيد-19 الضوء على أوجه القصور الرئيسية في التشخيص والعلاج وتوزيع اللقاحات أثناء الجائحة، وخاصة في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل.
الاستعداد لمواجهة الفيروس
توصلت جمعية الصحة العالمية -المجلس الذي تحكم من خلاله منظمة الصحة العالمية بواسطة الدول الأعضاء فيها والبالغ عددهم 194 دولة- إلى اتفاق بشأن مجموعة واسعة النطاق وحاسمة من التعديلات لتحسين اللوائح الصحية الدولية، وقال الدكتور تيدروس أدهانوم غيبريسوس، المدير العام لمنظمة الصحة العالمية: "القرارات المتخذة تظهر رغبة مشتركة لدى الدول الأعضاء في حماية شعوبها والعالم من المخاطر المشتركة لحالات الطوارئ الصحية العامة والأوبئة المستقبلية".
وأضاف التعديلات على اللوائح الصحية الدولية ستعمل على تعزيز قدرة البلدان على اكتشاف حالات تفشي الأوبئة المستقبلية والاستجابة لها من خلال التنسيق بين الدول الشقيقة، بشأن مراقبة الأمراض وتبادل المعلومات، وهذا مبني على الالتزام بالإنصاف، وفهم أن التهديدات الصحية لا تعترف بالحدود الوطنية، وأن الاستعداد هو مسعى جماعي.
في مواجهة التهديد المتصاعد لـ"المرض X"، نجد أنفسنا أمام تحدٍ عالمي لا يحتمل التهاون معه مطلقاً، ويوجب الاستعداد للجائحة القادمة التي على ما يبدو لم تعد خياراً، لأن الوقت ليس في صالحنا، وهو ما يحتاج إلى تعزيز التعاون الدولي وتطوير البنية التحتية للمنظومات الصحية خاصة الأكثر هشاشة حول العالم مع الاستفادة من دروس جائحة كوفيد-19 التي كانت قاسية.