أكثر فتكا من السمنة.. الوحدة ترفع خطر الوفاة المبكرة بنسبة 50%

في زمنٍ أصبح فيه الوصول إلى الآخرين أسهل من أي وقت مضى تشير الأبحاث الحديثة إلى مفارقة مؤلمة: نحن أكثر عزلة من أي وقت مضى، ففي المؤتمر السنوي الـ125 للجمعية الأمريكية لعلم النفس كشفت دراسة جديدة عن أن العزلة الاجتماعية قد تكون أكثر فتكاً من السمنة وأن تأثيرها على الصحة العامة في تزايد مستمر.

الوحدة خطر صامت يمتد إلى الملايين

علاج الوحدة المزمنة عند الشبابالوحدة خطر صامت يمتد إلى الملايين

اعتمدت الدراسة على تحليل أكثر من 200 دراسة سابقة، شملت نحو أربعة ملايين شخص، وتوصلت إلى نتيجة قاطعة: الوحدة تؤدي إلى الوفاة المبكرة.

وقالت الدكتورة جوليان هولت-لونستاد، مؤلفة الدراسة الرئيسية: "يُعد التواصل الاجتماعي حاجة إنسانية أساسية وضرورياً للحفاظ على الصحة النفسية والجسدية معاً، لكننا نلاحظ انتشاراً متزايداً للعزلة المزمنة بين شريحة كبيرة من المجتمع الأمريكي".

وبحسب بيانات الدراسة، فإن نحو 42.6 مليون أمريكي فوق سن 45 يعيشون حالة من الوحدة المزمنة وأكثر من ربع السكان في الولايات المتحدة يعيشون بمفردهم، وتشير النتائج إلى أن هؤلاء الأشخاص معرضون لخطر الوفاة المبكرة بنسبة تصل إلى 50% مقارنةً بمن يتمتعون بعلاقات اجتماعية قوية.

العزلة لا تعني العيش وحيدًا فقط

اللافت في نتائج الدراسة أن الإحساس بالوحدة لا يرتبط فقط بالعيش بمفردك أو بعدد من تعرفهم، فحتى الأشخاص المحاطين بالآخرين قد يشعرون بعزلة عاطفية ونفسية عميقة.

وفي مقال موسّع نشرته صحيفة The New York Times حول "وباء الوحدة" أوضح الباحثون أن الشعور بالانفصال الداخلي عن المجتمع أو غياب الدعم العاطفي هو المحرك الأساسي لهذه الحالة وليس بالضرورة الانعزال الجسدي.

الوحدة المزمنة تصيبك بالسكتة الدماغيةالعزلة لا تعني العيش وحيدًا فقط

بريطانيا تسبق الولايات المتحدة في المواجهة

في ظل تنامي المخاوف من تداعيات الوحدة على الصحة العامة اتخذت المملكة المتحدة خطوة لافتة في عام 2018 بتعيين "وزير للوحدة" ضمن طاقم الحكومة، بهدف مواجهة العواقب الاجتماعية والنفسية للوحدة المزمنة، هذه الخطوة رغم رمزيتها تعكس اعترافاً رسمياً بأن العزلة لم تعد قضية فردية بل أزمة صحية عامة تتطلب تدخلاً على مستوى السياسات العامة.

في المقابل، لا تزال الولايات المتحدة متأخرة نسبياً في تبني استجابة وطنية لمواجهة الظاهرة، وتُطرح تساؤلات عدة حول ما إذا كانت الحكومة الأمريكية ستتخذ إجراءات مشابهة لمعالجة هذه الأزمة المتصاعدة.

علاج الوحدة المزمنة عند الشبابالعزلة لم تعد قضية فردية بل أزمة صحية عامة 

عوائق اجتماعية وثقافية أمام طلب المساعدة

تُظهر الدراسات أيضاً أن هناك حواجز اجتماعية ونفسية تمنع كثيرين خاصة الرجال من الاعتراف بمشكلاتهم النفسية أو طلب الدعم بسبب الخوف من الحكم المجتمعي أو الوصمة، ويشير خبراء الصحة النفسية إلى أن تغيير هذه الثقافة يُعد أحد المفاتيح الرئيسية لمكافحة وباء الوحدة.

فرص جديدة للتواصل رغم كل شيء

ورغم قتامة الصورة يرى بعض الباحثين أن العصر الرقمي قد يفتح باباً للأمل، فبفضل منصات التواصل الاجتماعي وتطبيقات المواعدة لم يكن من السهل يوماً تكوين صداقات أو علاقات عاطفية كما هو الحال الآن شرط أن يُستخدم هذا التواصل بشكل صحي وفعّال.