الوقوف أمام المرآة لمعاينة خصرك أو الشحوم الزائدة على أطراف جسدك، يتحول أحياناً إلى صراع نفسي محتدم يدفعك نحو قرارات قد تدفع ثمنها غالياً، فإن كنت ممن يريدون خسارة الوزن لابد أنك سمعت عن "حقن التخسيس" التي تمنحك القوام الممشوق اللازم لإرضاء ذاتك، لكن يجب أولاً معرفة تبعاتها، وإن كانت تحقق حلم الرشاقة بالفعل أم كابوس صحي يهدد الحياة.
بعد محاولات كثيرة من اتباع أنظمة غذائية مختلفة، يجد الحالم بالرشاقة المنشودة فريسة لحملات الترويج لما يعرف بـ "الحقن السحرية"، فانتبه الأمر ليس بهذه السهولة.
ورغم النتائج المبهرة لأدوية إنقاص الوزن إلا أن لها جانبي سلبي آخر، سلطت "بوابة صحة" الضوء عليه عبر رصد عدة وقائع ودراسات ذات صلة، كما تحدثنا إلى مجموعة من الأطباء بمختلف التخصصات لمعرفة أبرز الآثار الجانبية والفوائد المحتملة.
قد تسبب أدوية إنقاص الوزن آثار جانبية خطيرة
تُوفيت ممرضة تبلغ من العمر 58 عاماً سبتمبر الماضي في المملكة المتحدة بعد خضوعها للحقن بجرعتين منخفضتين من عقار "تيرزباتيد" المعروف باسم "مونجارو" خلال أسبوعين، حيث كشفت شهادة وفاتها التي أطلعت عليها هيئة الإذاعة البريطانية، عن إصابتها بفشل الأعضاء والصدمة الإنتانية والتهاب البنكرياس كسبب مباشر للوفاة.
وسجّلت شهادة الوفاة أن عقار "تيرزباتيد" عامل مساهم فيما حدث للممرضة سوزان ماكجوان التي اشترت حقن إنقاص الوزن عن طريق صيدلية مسجلة عبر الإنترنت بعد طلب المشورة الطبية، وذلك وفق ما ذكره موقع "بي بي سي" البريطاني.
واقعة أخرى تناولت فيها امرأة عقار "أوزمبيك" بهدف السيطرة على مرض السكري من النوع الثاني، وفقدان بعض الوزن بين عامي 2018 -2021، لكنها لم تعلم أن لهذا الدواء آثار جانبية غيرت حياتها دون سابق إنذار.
في أحد الأيام عانت من آلام شديدة بالبطن، وبعد الذهاب لغرفة الطوارئ وإجراء عدة اختبارات شُخصت بالتهاب البنكرياس نتيجة تناول عقار أوزمبيك، حيث علقت ريكا ب. كومار، طبيبة الغدد الصماء والسكري، لموقع " Healthline" أن التهاب البنكرياس أحد الآثار الجانبية المحتملة لجميع الأدوية التي تندرج تحت فئة ناهضات مستقبلات الببتيد الشبيه بالجلوكاجون-1 (GLP-1)، وليس عقار أوزمبيك فقط.
ولفتت إلى أن التهاب البنكرياس أثر جانبي نادر وأكثر شيوعاً بين الأشخاص الذين لديهم عوامل خطر تزيد من إصابتهم به مثل تاريخ سابق بالتهاب البنكرياس أو وجود تاريخ مرضي عائلي أو ارتفاع نسبة الدهون الثلاثية.
أدوية التخسيس قد تسبب غثيان وقئ وشلل المعدة
بدأ بيتر صفوت، استشاري التغذية العلاجية وباحث بالمركز القومي للبحوث المصري، حديثه لـ"بوابة صحة" بأن أي دواء له أعراض جانبية، ولا يجب لأي شخص تناوله دون استشارة طبيب مختص لوصفه بالجرعات المناسبة طبقاً للوضع الصحي، ومن الضروري الحصول على الدواء مثل أدوية إنقاص الوزن من الصيدلية وليس من العيادات الطبية.
كما تحدث عن تأثير أدوية إنقاص الوزن على البنكرياس قائلاً: "في البداية ظهر سيماجلوتيد وتيرزيباتيد لعلاج مرض السكري، ثم وافقت منظمة الصحة العالمية ومنظمة الأغذية والدواء العالمية (FDA) على سيماجلوتيد لعلاج السمنة بعد اكتشاف أن جرعاته الأعلى تؤدي لخسارة الوزن، لكن لم تجد الدراسات التي أُجريت على آلاف المرضى تورط سيماجلوتيد في حدوث التهاب البنكرياس.
أما تيرزيباتيد ظهر لعلاج مرض السكري عام 2021، ثم تمت الموافقة عليه كعلاج للسمنة في 2023، ولاحظت الدراسات أنه من بين ألف حالة يمكن إصابة حالتين بالتهاب البنكرياس، لافتاً إلى أن أغلب مرضى السمنة يعانون من مرحلة ما قبل السكري أو السكري من النوع 2، ويعتبر السكري من النوع 2 سبباً لالتهاب البنكرياس؛ لذا يمكن القول إن هذه المشكلة ناتجة عن مرض السكري وليس أدوية إنقاص الوزن.
ويرى باسم أيوب، طبيب أمراض الباطنة والسمنة المصري بالولايات المتحدة، أن عقاقير إنقاص الوزن تحاول أن تشبه هرمونات الشبع في الجسم مثل هرمونيّ GLP-1 & GIP وعند الحصول على جرعات عالية منها يحدث بطء في حركة المعدة والأمعاء الدقيقة والغليظة ما يؤدي لظهور أعراض جانبية مثل الغثيان أو القئ.
وأوضح أنه نتيجة تأثير المادة الفعالة بأدوية إنقاص الوزن على مركز الجوع والشبع بالمخ، فيعاني بعض الأشخاص من شلل المعدة خلال أسابيع قليلة من الحصول على الحقن ما يؤدي لرائحة الفم الكريهة والغثيان والشعور بعدم السعادة.
وسلّط الضوء على أنه في بعض الحالات يمكن أن يدوم شلل المعدة حتى بعد التوقف عن حقن إنقاص الوزن بأسابيع وشهور وسنين نتيجة ضمور الأعصاب والعضلات الناعمة كالعصب الحائر الذي يغذي الأمعاء.
ومن بين الأسئلة التي تُطرح مؤخراً: هل يمكن أن يصاب الشخص بسوء التغذية والإمساك بسبب أدوية إنقاص الوزن؟.. أجاب "أيوب"، بأن فقدان الوزن غير الصحي والتجويع المزمن الناتج عن الأدوية يمكن أن يسبب سوء التغذية خاصة إذا كان المريض لا يركز في الأساس على اتباع نظام غذائي صحي بدلاً من الأطعمة المصنعة التي كانت سبباً في إصابته بالسمنة.
كما أن الإمساك من الحالات التي يُصاب بها البعض، وأشار إلى أنه يصعب التغلب عليه ليس بسبب نقص الألياف فقط بالجسم بل لبطء حركة المعدة والأمعاء بسبب حقن إنقاص الوزن.
من بين المخاوف المنتشرة حول تناول أدوية إنقاص الوزن هو تسببها في حدوث بعض أنواع السرطانات، لكن "بيتر صفوت" شرح العلاقة بينهما قائلاً إن أبحاثاً أجريت على الفئران - المعروف عنها امتلاكها لمستقبلات أعلى بالغدة الدرقية يُطلق عليها c-cells مقارنة بالبشر - حيث أراد الباحثون معرفة تأثير مادة GLP-1 الموجودة في ليراجلوتيد والسيماجلوتيد وجزء من عقار تيرزيباتيد على الغدة الدرقية واكتشفوا إصابة الفئران بنوع من سرطان الغدة الدرقية يطلق عليه Medullary thyroid carcinoma.
أما بالنسبة للأبحاث التي أجريت على البشر، فلم تظهر أي حالة ربطت بين أدوية من فئة GLP-1 ونوع من سرطان الغدة الدرقية؛ ولهذا أشار "صفوت" إلى أن شركات الأدوية قررت وضع محاذير للأشخاص الحاملين لتاريخ عائلي مرضي بهذا النوع من السرطان لعدم استخدامهم أدوية التخسيس، فمن الوارد معاناتهم من عيب خلقي بالغدة الدرقية تكون فيه المستقبلات بالغدة أكبر مقارنة بالإنسان العادي، ما قد يسبب مشكلة خطيرة بالغدة الدرقية، كما يُجري الأطباء التحاليل والفحوصات للكشف عن سلامة خلايا الغدة الدرقية.
ولفت استشاري التغذية العلاجية إلى أن أدوية إنقاص الوزن من فئة GLP-1 لا تُمنع على المصابين بكسل أو نشاط الغدة الدرقية والذين لديهم مرض مناعي، وفي كل الأحوال يجب الرجوع إلى الطبيب قبل استخدامها لكي يُجري بعض التحاليل والفحوصات قبل الاستخدام.
تيرزيباتيد آثاره الجانبية أعلى من سيماجلوتيد
تحدثنا مع د. بيتر صفوت عن الآثار الجانبية الأكبر في عقاري سيماجلوتيد وتيرزيباتيد، وكشف أن تيرزيباتيد آثاره الجانبية أعلى؛ لأنه كلما كانت فعالية الدواء أكبر كانت الآثار الجانبية مرتفعة أكثر.
كما نوه على ضرورة حصول المرضى على الدواء تحت إشراف طبي وبمتابعة طبيب بشري فقط، حيث دخل لمجال التغذية أشخاص غير متخصصين يسيئون استخدام العقاقير ما يسبب مشكلات صحية للمرضى.
واستكمل حديثه قائلاً: "الطبيب يستطيع ضبط الجرعة بحيث لا تسبب آثاراً جانبية شديدة، وإذا حدثت فيمكنه تلافيها سواء بأدوية أخرى تساعده على إكمال الدواء أو بنظام غذائي محدد أو بنمط حياة صحي".
من وجهة نظر، هشام حرب، الاستشاري الإماراتي في الغدد الصماء وعلاج السمنة، أن أدوية إنقاص الوزن تحسن من احتمالية الخصوبة عند الرجال والنساء الذين يعانون من السمنة، كما تنتظم الدورة الشهرية لفئة من النساء وفي حالة اضطرابها فهذا يعود إلى تغيير نمط الحياة والغذاء.
وأكد أن الإشراف الطبي مهم جداً لاكتشاف أي تأثيرات جانبية تستدعي النصيحة الطبية، ونصح بإجراء فحوصات روتينية تدل على أسباب السمنة والمشاكل الصحية المرتبطة بها قبل البدء في تناول أدوية التخسيس.
واقترح التردد على طبيب الغدد الصماء كل شهر في بداية مرحلة العلاج ثم كل 6 أشهر بعد مدة من الحصول على الأدوية.
وعلّق د.باسم على التأثيرات الإيجابية لحقن إنقاص الوزن على الهرمونات قائلاً إنها تحسن من مقاومة الإنسولين، وتعالج تكيّسات المبايض، لكن جانبها السلبي يتمثل في الإصابة بالضغط العصبي والنفسي المرتبط بحالة التجويع المزمنة وانخفاض الشعور بالسعادة ما يؤدي لانخفاض في نسب هرمونات الذكورة والأنوثة، وبعد مرور سنوات يمكن أن تتأثر نسب هرمون التستوستيرون في الرجال، فيصابون بالضعف الجنسي.
تعتقد فاطمة خمدن، استشارية الأمراض الجلدية والتناسلية البحرينية، أن الآثار الجانبية لأدوية وحقن إنقاص الوزن تختلف من شخص لآخر اعتماداً على الجرعة ومدة الاستخدام والحالة الصحية واستجابة الفرد للدواء.
كما كشفت لـ"بوابة صحة" إن تساقط الشعر قد يكون مؤقتا نتيجة تغير الهرمونات، كما يلاحظ البعض جفافاً بالبشرة خاصة في المناطق التي تتعرض لأشعة الشمس.
وبالحديث عن أبرز نوع من أدوية إنقاص الوزن آثاره الجانبية ملحوظا على الشعر والبشرة، فإنها أوضحت أن أغلب الأدوية حديثة ولا يمكن تحديد ذلك، لكن بشكل عام فالأدوية من فئة GLP-1 يمكن أن تكون تأثيراتها أكبر على الشعر والبشرة بسبب تقليل مستويات بعض الفيتامينات أو المعادن، علما بأنه كلما كان نزول الوزن سريعا، زادت تأثيرات الدواء السلبية على صحة الشعر والبشرة.
ولفتت أن معظم الآثار الجانبية لأدوية إنقاص الوزن مؤقتة وتختفي بعد التوقف عن تناول الدواء أو تعديل الجرعة.
كما نصحت باستخدام منتجات ترطيب عالية الجودة للشعر والبشرة خلال فترة إنقاص الوزن، وتجنب المنتجات القاسية إضافة إلى استخدام واقي الشمس بانتظام إلى جانب تناول نظام غذائي غني بالفيتامينات والمعادن الضرورية ويكون البعض بحاجة للمكملات الغذائية.
قال د.باسم أيوب أن العديد من الأشخاص يعتقدون أنهم يمكنهم التخلص من 10-20 كيلوجرامات من الوزن ثم التوقف عن الحصول على حقن التخسيس، لكن وصف ذلك بـ"الأوهام"، موضحا أن هذه العقاقير الهدف منها تناولها مدى الحياة مثل أدوية الضغط والسكري، وبناء على ذلك كشفت إحصائيات أن 70% من المرضى يتوقفون عنها خلال عامين بسبب أعراضها الجانبية، وعلميا سيعود أغلب أو كل الوزن المفقود لدى شريحة كبيرة من المرضى خلال عام من التوقف عن أدوية التخسيس.
وأضاف أن المرضى يفقدون حوالي 40-50% من العضلات خلال رحلة إنقاص الوزن ولا تعود الكتلة العضلية مثلما يعود الوزن المفقود بعد التوقف عن تناول الأدوية خاصة في الأشخاص فوق عمر 40 عاما.
لا يجب تناول أدوية التخسيس خلال الحمل والرضاعة
استوفى د.بيتر الشرح بشأن الفئات الممنوع عليهم استخدام أدوية إنقاص الوزن وهم الذين لديهم نقص في فيتامينات A، D، E، K حيث لا يناسبهم دواء " أورليستات "؛ لأنه لا يجعل الجسم يمتص الفيتامينات التي تحتاج للدهون بشكل كافي، نتيجة قدرته على إذابة 30% من الدهون بالوجبة وبناء على ذلك يصف بعض الأطباء مكملات الفيتامينات للمرضى.
كما أن عقار نالتريكزون بروبروبيون ممنوعا على المصابين بضغط الدم غير المنتظم والمصابين بالمياه الزرقاء.
وبالنسبة لليراجلوتيد والسيماجلوتيد وتيرزيباتيد فإذا كان الشخص لديه تاريخ مرضي عائلي بسرطانات الغدة الدرقية " Medullary thyroid carcinoma " وهي نادرة فيجب ألا يحصل عليها، إضافة إلى مرضى الفشل الكلوي بالمرحلة الأخيرة.
كما لا يجب أستخدام أدوية التخسيس أثناء الحمل أو الرضاعة فلا يوجد دراسات كشفت عن تأثيرها خلال هذين المرحلتين.
يرى د. باسم أيوب أن الجينات ليست السبب الوحيد للسمنة، بل سوء التغذية وكثرة تناول السكريات المضافة والكربوهيدرات والنشويات والحلويات وانخفاض التركيز على البروتينات الحيوانية والدهون المشبعة، إضافة إلى الفواكه الغنية بالألياف والفينولات التي لفت إلى ضرورة دمجها والتركيز عليها مرة أخرى في النظام الغذائي.
كما نصح بالكيتو دايت بهدف فقدان الوزن لفترة من الوقت ثم يمكن اتباع نظام منخفض الكربوهيدرات أو نظام حمية البحر الأبيض المتوسط، أفضل من الحصول على أدوية إنقاص الوزن.
التأثير الإيجابي لجراحات السمنة أكبر من أدوية التخسيس
متى يحتاج الشخص إلى إجراء الجراحة ومتى يحتاج لأدوية التخسيس؟.. طرحت "بوابة صحة" هذا السؤال على محمد عبد الفتاح، استشاري جراحات السمنة المصري، حيث قال إن أدوية إنقاص الوزن يجب الحصول عليها مدى الحياة للحصول على النتائج المُرجوة ولن يوقفها الأطباء إلا في حالة ظهور أعراض جانبية شديدة.
ويرى أن التأثير الإيجابي لجراحات السمنة أكبر من أدوية التخسيس حتى الآن، قائلاً إن أدوية التخسيس وسيلة مناسبة لبعض الأوزان وجراحات السمنة تناسب أوزان أخرى أعلى.
وعند المقارنة بين حقن التخسيس وجراحات علاج السمنة، فإنه كشف عن صعوبة المقارنة؛ لأن بعض الأدوية مثل سيماجلوتيد و تيرزيباتيد حديثة وعمرها ليس طويلاً، لكن نتائجها الأولية مُبشرة ورغم ذلك لا ترتقي لنتائج جراحات السمنة الواضح أعراضها الجانبية واصفا إياها بـ"الحل الدائم"، حيث يقوم بها الشخص مرة واحدة على عكس أدوية التخسيس التي لابد من الحصول عليها مدى الحياة.
كما نصح الأشخاص الذين ليس لديهم سمنة مفرطة، أي بحاجة لإنقاص بين 5-10 كيلو جرام من الوزن، ألا يخضعوا لجراحة السمنة ولا حتى يتناولون أدوية التخسيس، بل يجب تجربة نظام غذائي تحت إشراف طبي.
لكن إذا كان مؤشر كتلة الجسم أكبر من 30 فيمكن تناول أدوية تخسيس وإذا تعدى المؤشر 35 فإذن يجب الخضوع لجراحات السمنة، فالاثنين عوامل مساعدة تحسن من حياة المصابين بالسمنة.
وفي النهاية، أنت صاحب قرارك في كيفية فقدان وزنك الزائد بعد استشارة الطبيب وتقديمه لأفضل طريقة تخلصك من الكيلوجرامات الزائدة.