قد يبدو اختلاف وصف الألوان بين الرجال والنساء أمراً بسيطاً أو حتى طريفاً في الحياة اليومية، لكن العلم يكشف أن هذا التباين ليس مجرد مسألة ذوق أو لغة بل يرتبط بعوامل بيولوجية وجينية معقدة تلعب فيها الكروموسومات والهرمونات وحتى الثقافة دوراً مؤثراً في طريقة إدراكنا للألوان.
تعتمد الرؤية اللونية على خلايا متخصصة في شبكية العين تُعرف بـ"المخاريط" وهي المسؤولة عن التقاط الضوء وترجمته إلى ألوان، تعمل هذه الخلايا بالتكامل مع مراكز معينة في الدماغ لتحليل الإشارات البصرية ما يسمح لنا بتمييز آلاف الدرجات اللونية غير أن كفاءة هذا النظام تختلف من شخص لآخر وهو ما يفسر التباين بين الجنسين.
الرؤية اللونية في شبكية العين
توجد الجينات المسؤولة عن رؤية الألوان على الكروموسوم X وهنا يظهر أول اختلاف جوهري بين الرجال والنساء؛ فالنساء يمتلكن كروموسومين من النوع X بينما يمتلك الرجال كروموسوم X واحداً فقط إلى جانب كروموسوم Y، أحد أهم هذه الجينات هو OPN1LW المسئول عن إنتاج صبغة ضوئية تساعد على تمييز اللونين الأحمر والأخضر. وجود نسختين من الكروموسوم X لدى النساء يزيد احتمالية امتلاك تنوع جيني أكبر ما قد يمنحهن قدرة أدق على تمييز بعض درجات الألوان.
يتركز أبرز اختلاف بين الرجال والنساء في إدراك درجات الأحمر والأخضر، بعض النساء قد يمتلكن نسخة جينية تجعل حساسيتهن لهذه الدرجات أعلى من المتوسط وهي حالة يُطلق عليها أحيانًا "الرؤية رباعية الألوان"، هذا النوع من الرؤية يسمح بإدراك فروق دقيقة بين درجات تبدو متشابهة للآخرين، وبسبب امتلاك الرجال نسخة واحدة فقط من الكروموسوم X، تقل فرص ظهور هذه الحساسية اللونية المتقدمة لديهم.
الجينات مسئولة عن رؤية الألوان
يُعد عمى الألوان خاصة المرتبط بالأحمر والأخضر أكثر شيوعاً بين الرجال، السبب يعود مرة أخرى إلى العامل الوراثي؛ فإذا حمل الرجل الكروموسوم X لدى الرجل خللًا في الجين المسؤول عن رؤية الألوان فلا توجد نسخة بديلة لتعويضه، في المقابل تمتلك النساء آلية حماية طبيعية نسبياً، إذ قد تعوض النسخة السليمة من الكروموسوم X الخلل الموجود في الأخرى.
تشير دراسات منشورة في مجلات علمية مرموقة بحسب "Elevation vision"، إلى أن الفروق الجينية لا تفسر وحدها كل الاختلافات، بل تتداخل معها عوامل أخرى مثل نشاط الخلايا العصبية في شبكية العين، وطريقة معالجة الدماغ للإشارات البصرية، هذه الأبحاث أوضحت أن بعض النساء قادرات على تمييز نطاق أوسع من الدرجات اللونية مقارنة بالرجال حتى في غياب أي خلل بصري واضح.
تلعب الهرمونات وعلى رأسها الإستروجين دوراً إضافياً في تشكيل الرؤية اللونية. فقد أظهرت أبحاث أن هذا الهرمون يؤثر في نمو ووظيفة خلايا الشبكية وكذلك في مناطق الدماغ المسؤولة عن تفسير الألوان، كما أن التغيرات الهرمونية خلال مراحل مختلفة من العمر مثل البلوغ أو الحمل أو انقطاع الطمث قد تؤدي إلى تغيرات مؤقتة أو دائمة في إدراك الألوان.
لا يمكن فصل العلم عن السياق الاجتماعي، فاللغة والثقافة تؤثران في كيفية تصنيف الألوان وتسميتها، بعض الثقافات تستخدم عدداً محدوداً من المصطلحات اللونية، بينما تمتلك ثقافات أخرى مفردات دقيقة لدرجات متقاربة ما ينعكس على طريقة إدراك الأفراد للألوان ووصفها بغض النظر عن جنسهم.