قلة النوم واضطراب جودته خلال فترتي الحمل وما بعد الولادة لا تمسّ الراحة النفسية للأم فحسب بل قد تؤثر على صحتها القلبية والعقلية على المدى البعيد، حيث أن التغيرات الهرمونية والاجتماعية المصاحبة للأمومة تُربك إيقاع النوم الطبيعي وتزيد من مخاطر الاكتئاب والقلق ما يجعل هذه المرحلة من أكثر فترات حياة المرأة هشاشة صحيًا ونفسيًا.
يتغير نمط النوم تدريجيًا خلال الحمل مع ازدياد حجم الجنين وتظهر مشكلات مثل آلام الظهر والارتجاع المعدي الليلي وكثرة التبول لتبلغ ذروتها في الثلث الأخير من الحمل، وبعد الولادة تتفاقم المشكلة مع استيقاظ الأم المتكرر للعناية بالمولود.
ووجدت مراجعة علمية نُشرت في مجلة Sleep Medicine أن ما يقرب من 70% من النساء يعانين اضطرابات نوم في هذه المرحلة تتراوح بين الأرق وصعوبة الاستغراق في النوم أو الحفاظ عليه.
وفي إحدى الدراسات المضمنة في المراجعة تبين أن الأمهات اللواتي ينمن أقل من 6 ساعات يوميًا كن أكثر عرضة للإجهاد والتعب المزمن في حين سجلت الأمهات فوق سن الخامسة والثلاثين أسوأ مؤشرات لجودة النوم مقارنة بالأصغر سنًا.
قلة نوم الأم وتأثره على صحتها النفسية
هناك وجود علاقة وثيقة بين اضطرابات النوم والاكتئاب التالي للولادة، حيث أظهرت البيانات أن النساء اللواتي أبلغن عن "مشكلات بسيطة في النوم" كنّ أكثر عرضة بـ3 مرات للإصابة بالاكتئاب مقارنة بمن أبلغن عن نوم مريح، أما من عانين "مشكلات كبيرة في النوم" فكنّ أكثر عرضة بثماني مرات.
كما أظهرت دراسات أخرى أن ضعف جودة النوم يزيد من القلق ويؤثر في قدرة الأم على التفاعل العاطفي مع رضيعها.
تباينت نتائج الدراسات حول العلاقة بين الرضاعة وجودة النوم، ففي حين أشارت أبحاث بلجيكية إلى أن الأمهات المرضعات يتمتعن بنوم أعمق من نظيراتهن اللاتي يستخدمن الزجاجة، رأت دراسات أخرى أن الرضاعة الليلية المتكررة قد تزيد من تجزئة النوم خاصة خلال الأشهر الأولى، لذا توصي المراجعة بضرورة تقديم دعم نفسي وتعليمي للأمهات لتحسين جودة نومهن دون التأثير على الرضاعة الطبيعية.
الدعم النفسي بعد الولادة
التدخلات غير الدوائية مثل العلاج السلوكي المعرفي والعلاج بالروائح والرياضة الخفيفة تساعد في تحسين النوم وتقليل أعراض القلق والاكتئاب، فعلى سبيل المثال أظهر شرب شاي البابونج تأثيرًا إيجابيًا على جودة النوم بينما ساعد استخدام كريم اللافندر وحمامات القدم الدافئة على تقليل الأرق خلال فترة النفاس.
كما أشارت دراسات من مجلة "Sleep Medicine Reviews" إلى أن ممارسات مثل العناية بالجلد عبر التلامس المباشر بين الأم والرضيع تُحسّن نوم الأم وتسرّع التعافي بعد الولادة إضافة إلى تقوية الرابط العاطفي مع الطفل.
خلص الباحثون إلى ضرورة إدراج تقييم جودة النوم ضمن زيارات المتابعة بعد الولادة تمامًا كما تُتابَع التغذية أو الحالة النفسية؛ لأن قلة نوم الأم ليست مجرد عرض مؤقت بل مؤشر مبكر لمخاطر مستقبلية قد تشمل اضطرابات القلب والاكتئاب المزمن.