لغز طبي يحير العلماء.. شاب يعيش دون نوم منذ عامين رغم العلاج

كان أوليفر ألفيس، البالغ من العمر 32 عاماً، شاباً مثالياً، يجتهد في عمله ليوفر لنفسه حياة مُرفهة، حيث استطاع أن يُسدد قرض منزله، من خلال عمله في مجال العقارات، وقيادة القطارات أيضاً، وتمكن من شراء طائرة خاصة له، وهو لم يبلغ الثلاثين من عمره، وفي لحظة فقد كل شيء، صحته، ومنزله، ووظيفته، وبات مستقبله مليئاً بخيبات الأمل، لعدم قدرته على فعل شيء، إذ عاني من يقظة مستمرة أُرهقت أعصابه بشدة، وحرمته من النوم لمدة عامين.

وقد تحولت أيام وليالي أوليفر إلى شقاء لا ينتهي؛ فالأمر لم يكن مجرد قلة نوم، بل حرمان تام منه، مع عدم الشعور بالنعاس مهما طالت يقظته، وقد حاول الأطباء مساعدته من خلال حقن جسمه بالدواء المستخدم لتخدير المرضى قبل الجراحة، وبالرغم من ذلك لم يفقد وعيه تماماً، حيث تحدث عن معاناته قائلاً: "مفاصلي وعضلاتي تصرخ ألماً، أشعر وكأنني أرتدي بذلة حديدية، لا أستطيع المشي في خط مستقيم، ولا أستطيع هضم الطعام جيداً".

حالة "أوليفر" ليس لها مثيلا

قال استشاري طب الأعصاب والمتخصص في اضطرابات النوم ومؤلف كتاب "الدماغ الليلي"، البروفيسور جاي ليشزينر، إنه رغم عدم وجود أدلة أو بيانات تُوثق معاناة البشر مع الأرق التام، إلا أنها تعد حالة قاتلة لصاحبها، حيث إن الكلاب التي تبقى مستيقظة تموت خلال 17 يوماً، وتموت الفئران خلال 32 يوماً، بينما يعيش أوليفر دون نوم منذ عامين، وهو الأمر الذي حيّر خبراء وعلماء النوم، حسب صحيفة ديلي ميل.

قلة النومحالة أوليفر ليس لها مثيلا

خضع "أوليفر" لكل أنواع العلاج

خضع أوليفر لكل محاولات العلاج المتاحة في بريطانيا، حيث استشار ما يزيد على 50 طبيباً من تخصصات متنوعة شملت الأطباء العامين، وأطباء الأعصاب، والأطباء النفسيين، والأخصائيين النفسيين، إضافةً إلى زيارته لعيادات النوم المتخصصة. ولم يتردد حتى في بيع منزله لتمويل رحلته العلاجية اليائسة، التي امتدت إلى الهند لتجربة أدوية وعلاجات بديلة، إلا أن كل هذه المحاولات لم تُجدِ نفعاً، ولم تحقق له أي تحسن ملحوظ، وظلت معاناته مستمرة، حيث لا يحظى في أحسن الأحوال بأكثر من ساعة نوم متقطعة كل ليلة.

وتنوعت تشخيصات الأطباء لحالته بين اضطراب ما بعد الصدمة، أو متلازمة التعب المزمن، أو الألم العضلي الليفي (وهو مرض يُسبب أعراضًا مثل الضبابية الدماغية والأرق والإرهاق الشديد)، وبناءً على هذه التشخيصات، خضع أوليفر لجميع أنواع العلاجات المتاحة، والتي شملت:

-العلاجات النفسية والسلوكية: مثل العلاج السلوكي المعرفي، والعلاج بالتنويم المغناطيسي، وجلسات التأمل.

-العلاجات الجسدية: مثل التدليك الصيني.

-العلاجات الدوائية المكثفة: والتي تراوحت بين المهدئات القوية مثل البنزوديازيبينات، والحبوب المنومة، والأفيونيات، ومسكنات الألم القوية.

أسباب تجعل النوم غير مريحالعلاجات المتاحة لاضطرابات النوم

فشل مخدر البروبوفول في علاج "أوليفر"

سافر "أوليفر" إلى كولومبيا في أمريكا الجنوبية للحصول على الآياهواسكا، وهو نبات طبي قوي يُستخدم لعلاج الاكتئاب ولكن له آثار جانبية قد تؤدي إلى الوفاة، إلا أنه لم يؤثر في الشاب الثلاثيني، ثم سافر إلى تركيا للخضوع لعملية "حصار العقدة النجمية"، والتي تعتمد على إعطائه مجموعة من الحقن في رقبته لتعديل نظامه العصبي مفرط النشاط، والذي يرتبط عادةً بالأرق، إلا أنها لم تُجدِ نفعاً أيضاً، ما دفع الطبيب التركي إلى حقنه بمخدر البروبوفول في ذراعه، ولم يشعر بأي تأثير.

تفسير جديد لحالة "أوليفر"

فسر البروفيسور ليشزينر حالة أوليفر باحتمال إصابته بـ "الأرق المتناقض" (Paradoxical Insomnia)، وهو أن يظل الشخص في حالة يقظة رغم أن موجات دماغه تشير إلى أنه ينام، وتعد هذه الحالة صعبة العلاج، إلا أنها لا تزال قابلة للعلاج بوسائل دوائية وغير دوائية، كما أنها تحتاج إلى علاج نفسي أيضاً.