كشفت دراسة جديدة نُشرت في مجلة Nature العلمية عام 2025 أن سمنة الأم خلال الحمل قد تؤدي إلى إصابة الأبناء بمرض الكبد الدهني عند البلوغ، من خلال إعادة برمجة جهازهم المناعي أثناء الحياة الجنينية.
وأوضحت الدراسة التي قادها الباحث Hao Huang وفريقه أن السبب الجذري لا يرتبط فقط بعادات الأكل أو النشاط البدني لاحقاً في الحياة بل يبدأ مبكراً في الرحم، حيث تُعاد برمجة خلايا مناعية تُعرف باسم "خلايا كوبفر" Kupffer cells.
خلايا كوبفر هي بلاعم مقيمة في الكبد تبدأ في استعمار العضو في وقت مبكر من تكوّن الجنين، ومع تطور الكبد تكتسب هذه الخلايا توقيعاً وراثياً خاصاً يهيئها لأداء وظائف أساسية في حياة الجنين وما بعدها، من بينها دعم إنتاج كريات الدم الحمراء وإعادة تدويرها وتنظيم استقلاب الدهون.
التهاب الكبد الدهني
اعتمد الفريق البحثي على نموذج فئران مخبرية حيث تم تعريض الإناث لسمنة ناتجة عن نظام غذائي غني بالدهون قبل الحمل وخلاله، لاحظ الباحثون أن نسل هذه الفئران أظهروا علامات مبكرة للإصابة بالكبد الدهني وهو اضطراب تتراكم فيه الدهون داخل خلايا الكبد، ما قد يؤدي إلى التهابات ومضاعفات أكثر خطورة لاحقاً.
تبين أن السبب وراء هذه الإصابة لا يكمن فقط في البيئة الغذائية بعد الولادة بل في "برمجة غير طبيعية" أصابت خلايا كوبفر أثناء وجود الجنين في رحم أمه، هذه البرمجة جعلت الخلايا تستمر في إرسال إشارات تحفّز امتصاص الدهون بواسطة خلايا الكبد من خلال إفراز البروتينات الدهنية المعروفة باسم apolipoproteins.
في خطوة لافتة قام الباحثون بإزالة خلايا كوبفر من كبد الفئران حديثة الولادة التي وُلدت لأمهات بدينات ثم أعادوا ملء الكبد بخلايا مناعية ساذجة (naive monocytes) لم تتعرض مسبقاً لبرمجة غير طبيعية، والنتيجة كانت مذهلة: اختفى الكبد الدهني وعاد الكبد لأداء وظائفه الطبيعية.
وفي تجربة أخرى قام الفريق بإزالة جينية لجين HIF1α (عامل نقص الأكسجين المحفّز) وهو جين ينشط في حالات التمثيل الغذائي اللاهوائي ويؤثر على طريقة عمل خلايا كوبفر، حين تم تعطيل هذا الجين في البلاعم خلال الحمل لم يحدث التحول الاستقلابي المعتاد من الفسفرة التأكسدية إلى التحلل السكري وبالتالي لم تتعرض الخلايا لبرمجة ضارة ولم يُصب النسل بمرض الكبد الدهني.
علاج تجريبي يقلب الموازين
تُعيد هذه النتائج تشكيل فهمنا لكيفية تأثير صحة الأم على صحة أبنائها ليس فقط من خلال التغذية أو السلوكيات بعد الولادة بل عبر البرمجة المناعية التي تحدث في الرحم، وتضع الدراسة خلايا كوبفر كحلقة وصل مركزية في هذا التأثير الممتد بين الأجيال ضمن ما يُعرف بـ "الأصول التطورية للصحة والمرض" (Developmental Origins of Health and Disease).