تعاني نسبة كبيرة من الناجيات من ورم الثدي من صعوبات معرفية مرتبطة بالأورام الخبيثة تُعرف شائعًا بـ"الضباب الذهني" أو "تشوش ما بعد العلاج". هذه الصعوبات قد تشمل ضعف الذاكرة والانتباه وبطء التفكير، ما يجعل أداء المهام اليومية أكثر صعوبة ويؤثر في جودة الحياة في ظل قلة العلاجات المدعومة بأدلة علمية واضحة لهذه المشكلة.
ورم الثدي
مع محدودية الخيارات الدوائية، اتجه الاهتمام إلى العلاجات التكميلية التي قد تخفف العبء المعرفي دون آثار جانبية كبيرة، حيث يعتبر الوخز بالإبر تدخلاً متكاملاً يجمع بين العناية الشخصية والاسترخاء؛ لذا برز كخيار يستحق التقييم العلمي الدقيق.
علاج الوخز بالإبر لتحسين القدرات العقلية
ضمن هذا الإطار، عُرضت نتائج تجربة سريرية عشوائية من المرحلة الثانية باسم "ENHANCE" خلال ندوة San Antonio Breast Cancer Symposium، حيث هدفت التجربة إلى مقارنة الوخز بالإبر الحقيقي بالوخز الوهمي والرعاية المعتادة لفهم ما إذا كانت الفائدة تعود لتقنية الإبر نفسها أم لتجربة الرعاية المصاحبة لها.
شملت التجربة 260 امرأة لديهن تاريخ مرضي مع ورم الثدي (مراحل 0–3) أنهين العلاج ولا تظهر لديهن علامات للمرض ويعانين صعوبات معرفية متوسطة أو أشد مع أرق.
كما تلقّت مجموعة الوخز الحقيقي وأخرى الوخز الوهمي جلسة أسبوعية لمدة 10 أسابيع، بينما تلقت مجموعة ثالثة الرعاية المعتادة، وجرى تقييم القدرات المعرفية ذاتياً وموضوعياً في بداية الدراسة وبعد 10 أسابيع ثم بعد 26 أسبوعاً.
أظهرت النتائج تحسناً ذا دلالة سريرية في الإدراك الذاتي للقدرات المعرفية لدى مجموعتي الوخز الحقيقي والوهمي مقارنة بالرعاية المعتادة، ويُرجح أن هذا التحسن يعود جزئياً إلى عناصر مشتركة في التجربتين مثل الاسترخاء والاهتمام الشخصي والشعور بتلقي رعاية داعمة وهي عوامل قد تُحسّن شعور المريضات بقدراتهن الذهنية.
عند الانتقال إلى القياس الموضوعي للذاكرة والانتباه برز اختلاف مهم: الوخز الحقيقي كان متفوقاً على الوخز الوهمي في تحسين الأداء، بينما لم يُظهر الوخز الوهمي فرقاً يُذكر، ويشير ذلك إلى أن إدخال الإبر في نقاط علاجية محددة قد يُحدث تأثيراً عصبياً مباشراً لدى بعض المريضات خاصة من لديهن ضعف معرفي موضوعي في الأساس.
سلطت النتائج الضوء على فجوة شائعة بين ما تشعر به المريضات وما تُظهره الاختبارات الموضوعية إذ إن جزءاً محدوداً فقط ممن يعانون من أعراض معرفية يحقق معايير الضعف في الاختبارات؛ لذلك شدد الباحثون على أهمية استخدام أدوات تقييم ذاتية وموضوعية معًا لرسم صورة متكاملة.
كشفت الدراسة أيضاً عن ارتباط وثيق بين الأرق وتجزؤ النوم وتراجع الأداء المعرفي الموضوعي، هذا التداخل يوضح أن تحسين النوم قد يكون جزءاً أساسياً من أي استراتيجية شاملة لمعالجة الصعوبات المعرفية لدى ناجيات ورم الثدي.
كانت الآثار الجانبية خفيفة ونادرة واقتصرت غالباً على كدمات بسيطة مع الوخز الحقيقي، ومع ذلك تظل النتائج محكومة بقيود مثل قلة عدد من لديهن ضعف معرفي موضوعي وإجرائها في مركز أكاديمي حضري واحد ما يستدعي دراسات أوسع لتأكيد الفاعلية.