أصبح الحديث عن الآثار الجانبية لمضادات الاكتئاب أكثر حضوراً في السنوات الأخيرة لا سيما مع تزايد أعداد المستخدمين حول العالم، فبالنسبة لكثير من المرضى لا تنتهي رحلة العلاج بتحسّن المزاج فقط بل قد تصاحبها تجربة مختلفة تتمثل في تبلّد المشاعر - حالة يصفها البعض بالشعور بالفراغ العاطفي- حيث تختفي مشاعر الحزن الشديد لكن معها يتلاشى الفرح والاندفاع العاطفي أيضاً.
يشير تبلّد المشاعر إلى حالة من الخفوت العاطفي يصبح فيها الشخص غير قادر على الشعور بمشاعر قوية سواء كانت إيجابية أو سلبية، حيث لا يشعر بالسعادة الحقيقية ولا بالحزن العميق وإنما بحالة "باهتة" من المشاعر، ويصف المصابون بها شعورهم بالانفصال عن العالم وتراجع القدرة على الضحك أو البكاء وانخفاض التعاطف مع الآخرين وفقدان الدافع والطموح.
تبلد المشاعر ومضادات الاكتئاب
تشير البيانات السريرية إلى أن تبلّد المشاعر ليس ظاهرة نادرة، فقد أظهرت دراسة من جامعة أوكسفورد أن نحو 46% من مستخدمي مضادات الاكتئاب عانوا من هذه الحالة أثناء العلاج، وترتبط الظاهرة بشكل خاص بفئات دوائية معروفة، أبرزها:
-مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية (SSRIs)
-مثبطات استرداد السيروتونين والنورأدرينالين (SNRIs)
-مضادات الاكتئاب ثلاثية ورباعية الحلقات
في المقابل، لوحظ أن بعض الأدوية ذات آليات مختلفة مثل دواء bupropion، ارتبطت بنسبة أقل من تبلّد المشاعر ما فتح الباب لتساؤلات علمية حول دور السيروتونين تحديداً.
لا ينظر جميع المرضى إلى تبلّد المشاعر بالطريقة نفسها، فبينما يرى بعضهم أن خفوت المشاعر يخفف من الألم النفسي المرتبط بالاكتئاب يعتبره آخرون أثراً سلبياً يسرق منهم الإحساس بالحياة، وقد بيّنت أبحاث منشورة في مجلات علمية أن شدة التبلّد غالباً ما ترتبط بشدة الاكتئاب قبل بدء العلاج وأن الرجال قد يكونون أكثر عرضة له مقارنة بالنساء.
الآثار الجانبية لمضادات الاكتئاب
في سياق فهم أعمق للظاهرة، نشرت مجلة "Neuropsychopharmacology" نتائج دراسة حديثة تناولت تأثير أحد مضادات الاكتئاب الشائعة من فئة SSRIs على ما يُعرف بـ"التعلّم المعزز بالمكافأة.
وأظهرت النتائج أن الدواء لا يؤثر بشكل واضح على الذاكرة أو الانتباه لكنه يقلل من حساسية الدماغ للمكافآت وردود الفعل الإيجابية والسلبية وهو ما قد يفسر فقدان الإحساس بالمتعة وتبلّد المشاعر لدى المستخدمين.
هذه النتائج تساعد في تفسير شكاوى شائعة لدى المرضى مثل فقدان المتعة بالأشياء اليومية أو التغيرات في الاستجابة العاطفية والعلاقات الحميمة دون أن يكون ذلك مرتبطاً بتدهور معرفي عام.
لا يزال السبب الدقيق غير محسوم، بعض الباحثين يرجحون أن اختلال التوازن بين النواقل العصبية الثلاثة الرئيسية: السيروتونين والدوبامين والنورأدرينالين قد يلعب دوراً أساسياً، بينما يرى آخرون أن تبلّد المشاعر قد يكون عرضاً كان موجوداً في الأصل لكنه يصبح أكثر وضوحاً بعد تحسن أعراض الاكتئاب الأساسية.
رغم القلق الذي تسببه هذه التجربة يؤكد الأطباء أن تبلّد المشاعر قابل للتعامل، فقد تساعد تعديلات نمط الحياة مثل ممارسة الرياضة والتغذية الصحية على تحسين الاستجابة العاطفية، كما قد يلجأ الأطباء إلى تعديل الجرعة أو تغيير نوع الدواء أو دمجه مع علاج نفسي يساعد المريض على استعادة إحساسه بذاته ومشاعره.