يمتلئ جسم الإنسان بإيقاعات طبيعية لا تتوقف من دورة النوم والاستيقاظ إلى نبض القلب وتدفق الدم داخل الدماغ، هذه الأنظمة تعمل بتناغم مذهل لكن العلماء لطالما تساءلوا: كيف تتناسق كل هذه الإيقاعات المعقدة معًا؟
دراسة جديدة من جامعة كاليفورنيا البحثية في سان دييغو، تقدم إجابة غير متوقعة إذ تشير إلى أن الأمعاء قد تكون المفتاح لفهم هذا التنسيق داخل الأوعية الدموية في الدماغ.
علاقة الجهاز الهضمي بالدماغ
نُشرت نتائج الدراسة في مجلة "Physical Review Letters" حيث كشف الباحثون أن الحركات العضلية الإيقاعية للأمعاء التي تساعد في دفع الطعام عبر الجهاز الهضمي قد تشبه الطريقة التي تعمل بها الأوعية الدموية الدقيقة في الدماغ والتي تتمدد وتنقبض لتوصيل الأكسجين والمغذيات إلى الخلايا العصبية.
عادةً ما تتزامن هذه الأوعية الصغيرة المسماة بـ"الشُريينات" في نبضها معًا لكن سبب هذا التزامن ظل لغزًا علميًا لسنوات، حتى وجد فريق سان دييغو أن النمط الموجي المتتابع لحركة الأمعاء الذي يعتمد على تزامن الاهتزازات العضلية قد يكون نموذجًا مشابهًا لما يحدث في الدماغ.
الأوعية الدموية في الدماغ
قال البروفيسور ماسيمو فيرغاسولا، من جامعة كاليفورنيا سان دييغو، إن ما يحدث يمكن تفسيره من خلال مفهوم يُعرف بـ"المذبذبات المترابطة" (Coupled Oscillators) وهي أنماط إيقاعية تتواصل فيما بينها وتنسق حركتها.
كما أضاف أن كل جزء من الأمعاء يعمل كمذبذب يتفاعل مع الأجزاء المجاورة له وهذا النمط نفسه قد يفسر كيف تتزامن الأوعية الدموية في الدماغ.
وأوضح الباحثون أن هذه المذبذبات لا تعمل بتردد واحد بل بترددات مختلفة قليلاً تمامًا كما في الأمعاء والدماغ لكنّها قادرة على "القفل الإيقاعي" مع بعضها أي التماشي في نمط واحد إذا كانت تردداتها متقاربة.
باستخدام نماذج رياضية متقدمة برهن العلماء على كيفية حدوث هذا التناسق، مؤكدين أن التحول المتدرج في التزامن يشبه تمامًا الطريقة التي ينتقل بها الطعام عبر الأمعاء في شكل موجات سلسة ومنتظمة.
وقال البروفيسور ديفيد كلاينفيلد، من قسم الفيزياء وعلم الأعصاب في جامعة كاليفورنيا: "المعادلات كانت موجودة سابقًا لكن لم تُفسر بدقة ما يحدث عند نقاط التغيير أو الفواصل بين الإيقاعات، وهذا ما توصلنا إليه الآن وهو اكتشاف حاسم".
ترى الدراسة أن هذا الاكتشاف لا يقتصر على الدماغ فحسب بل قد يساعد أيضًا في فهم اضطرابات الجهاز الهضمي التي تؤثر على حركة الطعام والسوائل والفضلات.
وقال كلاينفيلد: "الدماغ أكثر تعقيدًا بلا حدود من الأمعاء لكن هذا هو جوهر العلم الحقيقي تبدأ بسؤال بسيط يقودك إلى اكتشاف جديد ثم تعود إلى السؤال الأول بفهم أعمق".