قد يتفاجأ الكثيرون عندما يعلمون أن تجربة التذوق لدى الأطفال تبدأ وهم ما زالوا في رحم الأم، فبحلول الأسبوع الـ16 من الحمل يكون الجنين قادراً على تذوق السائل الأمنيوسي الذي يحيط به، حيث تنتقل نكهات الطعام الذي تتناوله الأم إلى هذا السائل ليبدأ الطفل أول "اختبار تذوق" له قبل أن يتذوق أول ملعقة من الطعام بعد الولادة.
تبدأ براعم التذوق بالتكون خلال الشهرين الأولين من الحمل أي بحلول الأسبوع الثامن تقريباً، حيث تبدأ بالاتصال بالدماغ عبر الخلايا العصبية الدقيقة، ومع حلول الأسبوع الـ16 تتشكل المسامات الصغيرة التي تسمح بمرور جزيئات النكهة إلى براعم التذوق عندها يبدأ الجنين في ابتلاع السائل الأمنيوسي ويختبر أول نكهة في حياته: المذاق المالح للسائل.
تبدأ براعم التذوق بالتكون خلال الشهرين الأولين من الحمل
ومع مرور الوقت تزداد كمية السائل التي يبتلعها الجنين ومعها تتنوع النكهات التي يتعرض لها، وبحلول الأسبوع الـ21 من الحمل يمكن أن يبتلع عدة أونصات يومياً، ما يتيح له التعرف تدريجياً على المذاقات الأساسية مثل الحلو والمالح والمر والحامض.
رغم أن الجهاز الهضمي للأم منفصل تمامًا عن جنينها إلا أن جزيئات الطعام تنتقل من دم الأم إلى السائل الأمنيوسي، صحيح أن النكهات التي تصل إلى الجنين تكون ضعيفة مقارنة بما تتذوقه الأم لغياب حاسة الشم لديه في هذه المرحلة لكن ذلك لا يمنع تكوين ذاكرة مبكرة للمذاقات.
وقد كشفت دراسة حديثة أن الأجنة الذين تعرضوا لنكهة الجزر عبر السائل الأمنيوسي أظهروا تعبيرات وجه أقرب إلى الضحك، بينما أبدى آخرون تعرضوا لنكهة الكرنب ردود فعل أقرب للبكاء، ومع تطور الحمل أصبحت تعبيراتهم أكثر تعقيداً استجابة لهذه النكهات.
النظام الغذائي للأم لا ينعكس فقط على صحتها وصحة جنينها بل قد يشكل أيضًا تفضيلات الطفل الغذائية مستقبلًا فبحسب الأبحاث المنشورة في What to Expect فإن الأطفال الذين يتعرضون لبعض النكهات خلال الحمل أو لاحقًا عبر حليب الأم يكونون أكثر تقبلاً لهذه الأطعمة عند الكبر.
على سبيل المثال إذا اعتادت الأم تناول الخضروات المشوية أو الأطعمة المتبّلة فقد يزيد ذلك من احتمالية أن يتقبل الطفل هذه النكهات لاحقاً، هذا التعرّض المبكر قد يسهم في الحد من "انتقائية الطعام" لدى الأطفال بل وربما يقلل من خطر السمنة والسكري مستقبلاً.
تأثير النظام الغذائي للأم
من المهم أن تحرص المرأة الحامل على تنويع نظامها الغذائي ليشمل الخضروات الطازجة والفواكه والأطعمة الصحية بدلاً من الوجبات الخفيفة المصنعة، فهذا لا يعزز صحتها فقط خلال الحمل بل يساعد أيضًا في إعداد الطفل لتقبل طيف واسع من المذاقات بعد الولادة.
من المثير أن نعرف أن الجنين لا يشارك الأم غذاءها فحسب بل يكوّن أولى تجاربه الحسية من خلاله فكل وجبة تتناولها الأم تمثل للطفل فرصة جديدة للتعرّف على النكهات لتبدأ بذلك رحلة التذوق التي تستمر معه مدى الحياة.