لماذا ينجو أطفال الريف من حساسية الطعام مقارنة بالحضر؟

لطالما لاحظ الأطباء أن الأطفال الذين ينشأون في المجتمعات الزراعية يصابون بحساسية أقل بكثير مقارنة بأقرانهم في المدن، هذا الفارق لم يكن صدفة بل أثار تساؤلات علمية متكررة حول دور البيئة ونمط الحياة في تشكيل جهاز المناعة منذ الشهور الأولى من العمر. مؤخراً بدأت تتضح صورة أكثر دقة تربط بين نضج المناعة المبكر وحليب الأم كعامل داعم رئيسي.

دور الآباء في حماية الأطفالنضج مناعي لدى أطفال المجتمعات الزراعية 

نضج مناعي مبكر لدى أطفال المجتمعات الزراعية

تشير الأبحاث الحديثة إلى أن الأطفال المعرضين لبيئة المناطق الزراعية يمتلكون جهازاً مناعياً أكثر "خبرة" خلال عامهم الأول، فخلايا B المسؤولة عن إنتاج الأجسام المضادة تبدو أكثر نضجاً مع مستويات أعلى من الأجسام المضادة الواقية مقارنة بالأطفال الذين ينشأون في بيئات حضرية. هذا النضج المبكر يساعد الجهاز المناعي على التعامل مع الطعام والمواد البيئية دون مبالغة في رد الفعل.

تشخيص التصاق الحبل السري الغشائي والوقاية منهتأثير البيئة الزراعية على الجنين 

الدراسة في سياقها العلمي

ضمن دراسة طولية قارنت بين رضع من عائلات زراعية تقليدية وأسر حضرية تتبع الباحثون الأمهات وأطفالهن منذ الحمل وحتى نهاية العام الأول، ونُشرت النتائج في مجلة "Science Translational Medicine" لم تركز الدراسة على الخلايا المناعية التائية، كما في أبحاث سابقة بل على خلايا B والأجسام المضادة مع تحليل عينات من دم الحبل السري ودم الأطفال والبراز واللعاب وحليب الأم.

أجسام مضادة أقوى في الدم وحليب الأم

أظهرت النتائج أن الأطفال المعرضين لبيئة المزارع امتلكوا مستويات أعلى من خلايا الذاكرة والأجسام المضادة من نوع IgG وIgA، ليس فقط في الدم بل في اللعاب والبراز أيضاً، اللافت أن حليب أمهاتهم احتوى بدوره على مستويات أعلى من IgA ما يشير إلى منظومة مناعية نشطة ومتكاملة تنتقل جزئياً من الأم إلى الطفل عبر الرضاعة. 

البيض كنموذج لحساسية الطعام

ركزت الدراسة على حساسية البيض بوصفها من أكثر أنواع حساسية الطعام شيوعاً لدى الأطفال الصغار، حيث قاس الباحثون الأجسام المضادة الخاصة بالبيض في دم الرضع وحليب الأمهات، ثم تابعوا الأطفال لمعرفة من سيُصاب بالحساسية لاحقاً.

كانت النتائج لافتة: فالأطفال الذين امتلكوا مستويات أعلى من الأجسام المضادة الخاصة بالبيض كانوا أقل عرضة للإصابة بالحساسية.

تدرج واضح في الحماية من حساسية البيض

عند مقارنة ثلاث مجموعات، أطفال المجتمعات الزراعية وأطفال المدن غير المصابين بحساسية البيض وأطفال المدن المصابين بها ظهر تدرج واضح، أعلى مستويات الأجسام المضادة وُجدت في حليب أمهات المناطق الزراعة، وأدناها لدى أمهات الأطفال المصابين بالحساسية، بينما جاءت المستويات متوسطة لدى غير المصابين، هذا الارتباط القوي يشير إلى دور محتمل لحليب الأم في الوقاية.

هل كل حليب الأم متشابه؟

لطالما ارتبطت الرضاعة الطبيعية بانخفاض بعض أمراض الحساسية، لكن نتائجها في الوقاية من حساسية الطعام كانت متباينة.

تفسر هذه الدراسة ذلك بأن حليب الأم ليس متطابقاً لدى الجميع، فالفائدة قد تكون أكبر عندما يحتوي على مستويات مرتفعة من الأجسام المضادة الخاصة بالأطعمة.

دور غذاء الأم والبيئة

أحد التفسيرات المحتملة هو النظام الغذائي، فالأمهات في المجتمعات الزراعية يستهلكن البيض بانتظام ما قد يرفع مستويات الأجسام المضادة لديهن وينتقل إلى أطفالهن عبر حليب الأم، كما أن التعرض للحيوانات والميكروبات البيئية واختلاف نمط الحياة كلها عوامل قد تسهم فيما يُعرف بـ"تأثير المزرعة" على الجهاز المناعي.