كم مرة استيقظت وأنت متأكد أنك حلمت بشيء ما ربما فكرة عبقرية أو لحن لا يُنسى، ثم اختفى كل شيء خلال دقائق؟ هذه الظاهرة المحبطة شائعة جداً، والآن بفضل دراسة جديدة بات لدى العلماء تفسير مقنع لها يرتبط بكيفية عمل الدماغ أثناء النوم والاستيقاظ.
تُشير الدراسة الحديثة التي نُشرت في دورية "eLife" إلى أن الذاكرة في لحظاتها الأولى تكون هشة وضعيفة، ولكي تُصبح هذه الذكريات طويلة الأمد يجب أن تمر بعملية تُعرف باسم التدعيم أو التماسك (consolidation)، حيث يتم إنتاج بروتينات خاصة تساعد في تقوية الذكرى داخل الدماغ.
لكن هناك مشكلة: إذا حدثت تجارب جديدة أثناء هذه المرحلة الحساسة من التدعيم فإنها قد تُربك العملية أو "تخطفها"، ولهذا يلجأ الدماغ إلى استراتيجية ذكية وهي تأجيل تدعيم الذكريات إلى وقت يكون فيه أكثر هدوءاً أي أثناء النوم.
الذاكرة الهشة: لماذا لا نتذكر؟
السؤال المحوري الذي طرحه الباحثون هو: كيف يحمي الدماغ هذه الذكريات من الاندثار إذا استيقظنا فجأة أثناء عملية التدعيم؟ للإجابة استعانوا بكائن غير متوقع لكنه مفيد علمياً وهو حلزون البحر "Aplysia" وهو كائن بحري بسيط ذو جهاز عصبي كبير نسبياً ويُستخدم كثيراً في أبحاث الذاكرة بسبب قدرته على التعلم والتذكر.
أظهرت الدراسة أن تعريض هذا الكائن لمحفزات خارجية فور استيقاظه لا يؤدي إلى تكوين ذكريات جديدة لأن الدماغ أو بالأحرى البروتين المسؤول عن حماية الذكريات يمنع ذلك، لكن عندما استخدم الباحثون دواءً يمنع إنتاج هذا البروتين أصبح الكائن قادراً على تكوين ذكريات طويلة الأمد من تلك المحفزات الجديدة، ما يعني أن هذا البروتين يعمل كحاجز دفاعي لحماية الذكريات من التداخل أثناء لحظات الاستيقاظ.
يرجّح الباحثون أن هذه الآلية هي السبب في عدم تذكّر معظمنا للأحلام عند الاستيقاظ بل وحتى فقدان الأفكار التي قد تراودنا خلال لحظات الصحو الأولى، الدماغ ببساطة يُغلق "باب الذاكرة" مؤقتاً كي يحافظ على ما تمّ تخزينه خلال النوم فيمنع بذلك ترسيخ أي معلومات جديدة فور الاستيقاظ.
علاقة الأحلام بالأمر
لا تقتصر أهمية هذا الاكتشاف على تفسير النسيان الصباحي بل قد يكون له تأثير مهم في علاج حالات مثل اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، حيث يمكن التحكم في تكوين الذكريات السلبية نظرياً، لكن الخطوة التالية هي التعرف على هذا البروتين المسؤول عن حجب الذاكرة وفهم كيفية عمله بدقة.