في تطور علمي قد يغيّر مستقبل الوقاية من فيروس نقص المناعة البشرية (HIV)، أظهرت دراسة نُشرت في مجلة Nature أن حقنة واحدة من العلاج الجيني أُعطيت لقرود رُضّع بعد الولادة مباشرة نجحت في حمايتهم من الإصابة بالفيروس لمدة لا تقل عن 3 سنوات.
رغم أن نتائج الدراسات على الحيوانات لا تُترجم دائماً بشكل مباشر إلى البشر، يرى العلماء أن نجاح هذا النهج في التجارب البشرية قد ينقذ أرواح آلاف الأطفال خاصة في المناطق ذات الموارد المحدودة مثل إفريقيا حيث يُقدّر أن أكثر من 100 ألف طفل يُصابون سنوياً بالفيروس معظمهم عبر الرضاعة الطبيعية من أمهات مصابات.
وقال الدكتور أمير أردشير، أستاذ مساعد في علم الأحياء الدقيقة والمناعة في مركز تولين الوطني لأبحاث الرئيسيات في نيو أورلينز والباحث الرئيسي في الدراسة: "ما يقرب من 300 طفل يُصابون بالفيروس يومياً هذه الطريقة قد توفر لهم حماية خلال الفترة الأكثر هشاشة من حياتهم".
آمال واعدة من تجربة جينية
ترتكز التجربة على نوع معروف من العلاج الجيني يقوم ببرمجة خلايا الجسم لإنتاج أجسام مضادة قادرة على مواجهة الفيروس، وقد استخدم الباحثون فيروساً غير ضار يُدعى AAV (Adeno-Associated Virus) كوسيلة لنقل الجين العلاجي إلى خلايا العضلات في قرود الريص حديثة الولادة.
واختيرت خلايا العضلات تحديداً بسبب عمرها الطويل نسبياً، ما يتيح لها العمل كمصانع صغيرة لإنتاج الأجسام المضادة لسنوات، ويُطلق على هذه الأجسام اسم bNAbs (الأجسام المضادة المحايدة الواسعة النطاق) وهي قادرة على استهداف عدة سلالات مختلفة من فيروس HIV.
ورغم استخدام "bNAbs" سابقاً في تجارب علاجية إلا أنها كانت تتطلب حقناً متكررة للحفاظ على فعاليتها وهو ما تجنبه الباحثون هنا عبر التحفيز الجيني الدائم للخلايا.
بيّن الفريق البحثي أن إعطاء الحقنة في الأسابيع الأولى من عمر القرد أسهم في قبول الجسم لها دون مقاومة مناعية خلافاً لما يحدث عند تقديمها لاحقاً، وقد أظهرت النتائج أن جميع القرود التي تلقت الحقنة بعد الولادة مباشرة بقيت محمية من الإصابة لمدة 3 سنوات دون الحاجة إلى جرعات إضافية.
وفي المقابل فإن تأخير العلاج إلى ما بين 8 و12 أسبوعاً بعد الولادة جعل الجهاز المناعي أكثر قدرة على مهاجمة العلاج الجيني ما قلل من فعاليته.
توقيت الحقنة مفتاح النجاح
رغم النتائج المبهرة يقرّ الباحثون أن الطريق إلى تطبيق هذه التقنية على الرضع البشر ما زال غير واضح تمامًا إذ قد تختلف استجابتهم للعلاج الجيني عبر AAV عن استجابة القردة، كما أن الدراسة استندت إلى سلالة واحدة فقط من الفيروس المشابه لـ HIV في حين أن الفيروس لدى البشر له سلالات متعددة قد تتطلب مقاربات أكثر تنوعاً.
لكن الفريق البحثي يظل متفائلًا لا سيما أن هذه الطريقة يمكن أن تُحدث فرقاً حقيقياً في المناطق التي يصعب فيها تقديم علاج طبي متكرر، مضيفين: "لم يكن بالإمكان تخيّل هذا النوع من الحماية قبل 10 سنوات، اليوم لدينا الأدوات التي تمكننا من مواجهة الفيروس من زاوية جديدة".