استعادة الأمل لا تعني تجاهل الألم بل قبول الواقع بكل ما فيه من معاناة ثم الإصرار على البحث عن معنى وسط الفوضى، هذا ما أشار إليه الطبيب النفسي النمساوي فيكتور فرانكل في كتابه الشهير Man’s Search for Meaning الصادر عام 1946، يُطلق على هذا المفهوم "التفاؤل التراجيدي" ليس تفاؤلاً ساذجاً بل إيماناً عنيداً بأن للمعاناة معنى.
أظهرت الأبحاث الحديثة أن القدرة على التكيّف مع المشاعر المتناقضة هي أساس الصمود النفسي، ففي دراسة أُجريت عام 2003 على طلاب جامعيين في الولايات المتحدة عقب أحداث 11 سبتمبر تبيّن أن من سمحوا لأنفسهم بعيش مشاعر الحزن والخوف إلى جانب مشاعر الامتنان والأمل كانوا أكثر توازناً من أولئك الذين أنكروا مشاعرهم السلبية أو حاولوا كبتها.
القدرة على التكيّف مع المشاعر المتناقضة هي أساس الصمود النفسي
قد يبدو الأمل والتفاؤل متشابهين لكن علماء النفس يرون بينهما فرقاً جوهرياً، فالتفاؤل هو الاعتقاد بأن الأمور ستتحسن بينما الأمل يتضمّن شعوراً بالقدرة على التأثير في المستقبل.
يوضح عالم النفس دانيال ج. توماسولو، مؤلف كتاب Learned Hopefulness ومدير معهد Spirituality Mind Body في جامعة كولومبيا: "التفاؤل فكرة عامة أما الأمل فيرتبط بإحساس بالتحكم، حين أقول: أعتقد أن الغد سيكون جيداً فهذا تفاؤل، لكن حين أسأل: كيف يمكنني أن أجعل الغد أفضل؟ فهذا هو الأمل".
خلال الأشهر الأولى من جائحة كورونا، أظهرت دراسة أن 56% من الناس شعروا بالامتنان أكثر من أي شعور إيجابي آخر، والأكثر إثارة للدهشة أن 70% منهم توقعوا استمرار شعورهم بالامتنان في المستقبل القريب رغم عدم اليقين السائد.
يؤكد ريتشارد تيدسكي، مدير Boulder Crest Institute for Posttraumatic Growth، أن الناس غالباً ما يجدون المعنى بعد الصدمة من خلال التواصل والمساهمة، مشدداً على أهمية وجود "رفقاء خبراء" أي أشخاص يُصغون بتعاطف ويُساعدون على رؤية القوة الكامنة بداخلك وتخيّل مستقبل واقعي مليء بالأمل.
إيجاد المعنى بعد الصدمة
يرى سكوت باري كاوفمان، أستاذ علم النفس في جامعة كولومبيا، أن البشر يميلون إلى التقليل من قدرتهم على التحمل، يقول: "نميل إلى الاعتقاد بأن أسوأ مخاوفنا ستقضي علينا لكننا عندما نواجهها بالفعل نكتشف أننا أقوى مما كنا نظن".
وينصح "كاوفمان" بالمزج بين تقبّل المشاعر والسخرية من الواقع، قائلاً: "لم أعد آخذ أي شيء على محمل الجد وهذا شيء رائع، نحن لا نُقدّر الفكاهة العبثية كما ينبغي، لقد بدأت مؤخراً في تجربة فن الارتجال وهو يُعلمنا كيف نقول "نعم، وماذا بعد؟ للحياة".