هناك نوع خاص من المسلسلات التي تترك في نفوسنا أثراً لا يُمحى ليس فقط بسبب قصصها المؤثرة بل أيضاً لأنها تجعلنا نعيش مشاعر معقدة يمتزج فيها الحزن بالتطهير العاطفي، عندما نتابع شخصيات تمر بأزمات نفسية واجتماعية قاسية نشعر أننا لسنا وحدنا في معاناتنا وكأن الشاشة تعكس دواخلنا الخفية، لكن هل يمكن أن يكون لهذا التأثر فائدة نفسية حقيقية؟
مسلسل "ولاد الشمس" والتأثير العاطفي
جذب المشهد الختامي من مسلسل "ولاد الشمس" اهتمام العديد من المشاهدين وأصبح حديث مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يضحي "مفتاح" الذي يؤدي دوره الفنان طه دسوقي، بنفسه من أجل إنقاذ "ولعة" الذي يؤدي دوره الفنان أحمد مالك، في لحظة مكثفة عاطفياً، فصرخات "ولعة" وبكاؤه بينما كان يشاهد صديقه يُضحّي بحياته لم تكن مجرد لحظة درامية عادية بل كانت انعكاساً لقيم الفداء والصداقة الحقيقية، هذا المشهد دفع العديد من المشاهدين إلى البكاء لكنه في الوقت نفسه عزّز لديهم شعوراً عميقاً بالتطهير العاطفي (Catharsis) وهو مفهوم نفسي يشير إلى التحرر من المشاعر السلبية من خلال التعبير عنها.البكاء من أجل الراحة النفسية
مشاهدة المسلسلات التراجيدية تُعد من الطرق غير المباشرة للتنفيس عن المشاعر المكبوتة، ووفقاً لدراسة نُشرت في مجلة Time Health فإن التفاعل العاطفي العميق مع الشخصيات يساعد في تقليل التوتر وتعزيز إفراز الإندورفين وهو الهرمون المسؤول عن الشعور بالراحة، هذا يفسر لماذا قد نشعر بتحسن بعد البكاء أثناء مشاهدة مشهد درامي مؤثر.
العلاقة التي تربط المشاهد بشخصيات المسلسل تُعرف باسم "العلاقة الطفيلية" (Parasocial Relationship) وهي علاقة أحادية الاتجاه، حيث نعرف تفاصيل حياة الشخصيات بينما هم لا يعرفون شيئاً عنا، ومع ذلك تشير الأبحاث إلى أن هذه العلاقات يمكن أن تقلل من الشعور بالوحدة وتعزز تقدير الذات.
توضح جينيفر بارنز، أستاذة علم النفس في جامعة أوكلاهوما، أن قضاء ساعات طويلة مع شخصيات المسلسل يُشبه إلى حد ما قضاء الوقت مع الأصدقاء حيث نرتبط بهم عاطفياً ونتفاعل مع مصائرهم وكأنها تهمنا شخصياً، هذه العلاقة تُشعر المشاهدين بأنهم ليسوا وحدهم في معاناتهم وهو ما يُفسر الارتباط العاطفي العميق الذي نشعر به عند متابعة قصص درامية مأساوية.
قد يبدو من غير المنطقي أن نختار عمداً مشاهدة مسلسلات تُسبب لنا الحزن لكن السبب يكمن في أن الحزن نفسه يُشعرنا بأننا أحياء، عند مشاهدة قصة درامية مأساوية نشعر بالتعاطف وهو ما يساعدنا على تعزيز فهمنا لمشاعر الآخرين، وقد أظهرت دراسات نُشرت في Journal of Social and Personal Relationships أن مشاهدة المسلسلات العاطفية تُحسن من قدرة الأفراد على التعاطف مع الآخرين مما يجعلهم أكثر وعيًا بمشاعر من حولهم.
رغم الفوائد العاطفية لمشاهدة المسلسلات التراجيدية إلا أن الإفراط في الانغماس فيها قد يكون علامة على مشكلات نفسية غير محلولة، إذا كان الشخص يلجأ إلى هذا النوع من المحتوى للهروب من مشكلاته بدلًا من مواجهتها فقد يكون ذلك مؤشرًا على الاكتئاب أو القلق المزمن، فالطريقة الصحية لمتابعة هذه الأعمال هي أن تكون وسيلة لفهم مشاعرنا لا للهروب منها.بعد نهاية "ولاد الشمس" الحزينة
نهاية مسلسل "ولاد الشمس" لم تكن نهاية سعيدة لكنها كانت نهاية منطقية ومتسقة مع واقع الشخصيات، أحياناً لا تأتي العدالة كاملة وأحياناً نضحي بمن نحبهم من أجل أن يعيشوا حياة أفضل، هذه الفكرة رغم قسوتها تعكس حقيقة الحياة وهو ما يجعل مثل هذه المسلسلات ذات تأثير عميق علينا.