رغم أن فكرة ابتلاع حبة مرتبطة بخيط قد لا تبدو محببة لدى الكثيرين إلا أنها قد تمثل بديلاً ثورياً للفحوصات المرهقة التي يخضع لها المرضى المعرضون لخطر الإصابة بـ أورام الحلق، بحسب ما كشفته دراسة حديثة.
على مدى نحو عشرين عاماً، اعتاد البريطاني دنكان كوك، البالغ من العمر 57 عاماً ويعمل في مجال السباكة والتدفئة، الخضوع لفحوصات التنظير الداخلي لمراقبة حالته الصحية بعد تشخيصه بـ"مريء باريت"، وهي حالة يسببها الارتجاع الحمضي المزمن، ويمكن أن تؤدي لاحقاً إلى تغيرات أورام خبيثة في خلايا المريء، لكن الأمور تغيرت حين عرض عليه الباحثون خياراً جديداً: ابتلاع كبسولة صغيرة تذوب في المعدة وتطلق إسفنجة مربوطة بخيط.
ابتكار بسيط.. بديلاً فعالاً عن التنظير الداخلي
بمجرد أن تذوب الكبسولة تُسحب الإسفنجة عبر الخيط من المريء فتقوم بجمع خلايا من بطانته أثناء خروجها ليجري تحليلها لاحقاً في المختبر.
يقول كوك في بيان صحفي: "شعرت ببعض التوتر أول مرة فالحبة كبيرة الحجم لكن التجربة كانت أفضل بكثير من التنظير الداخلي، الإجراء أسرع ولا يحتاج إلى مهدئ أو مرافق يعيدك إلى المنزل وقد عدت إلى عملي مباشرة بعد الفحص".
شملت الدراسة التي نُشرت مؤخراً في مجلة The Lancet 910 مريضاً بـ"مريء باريت" في 13 مستشفى بالمملكة المتحدة، وقد خضع الجميع لاختبار الكبسولة الإسفنجية ثم جرى تقسيمهم إلى 3 مجموعات حسب مستوى الخطورة: منخفض، متوسط، وعالٍ.
أظهرت النتائج أن أكثر من نصف المشاركين (54%) صُنّفوا على أنهم منخفضو الخطورة إذ لم تُرصد لديهم أي تغيّرات خلوية توحي باحتمال التقدم نحو الأورام الخبيثة، من بين هؤلاء كشفت فحوصات التنظير اللاحقة أن اثنين فقط أي 0.4% لديهم تغيّرات خلوية تستدعي المتابعة دون رصد أي حالات أورام فعلية.
وقالت البروفيسورة ريبيكا فيتزجيرالد، مديرة معهد الأورام المبكر بجامعة كامبريدج: "من الضروري مراقبة المرضى بشكل دقيق لرصد التغيّرات الخلوية مبكراً لأن الكشف المبكر يمنحنا فرصة للعلاج قبل تطور السرطان".
وأضافت أن ورم المريء يُعد من أكثر الأورام صعوبة في العلاج إذ لا يعيش أكثر من واحد من كل 5 مرضى لمدة خمس سنوات بعد التشخيص، مشيرة إلى أن عدد الحالات قد تضاعف 4 مرات منذ سبعينيات القرن الماضي.
نتائج واعدة تشير إلى أمان الاستخدام
من جانبه، قال الدكتور كيث تان، الباحث الرئيسي في الدراسة والطبيب بمستشفى أدينبروك: "الاختبار بالكبسولة الإسفنجية يمكن إجراؤه بسهولة وسرعة على يد ممرضين ذوي تدريب بسيط، ما يخفف الضغط على وحدات التنظير ويوفر كثيراً من الوقت والموارد".
ويؤكد الباحث بيتر ساسيني، مدير وحدة تجارب الوقاية من السرطان التابعة لـCancer Research UK، أن نتائج الدراسة تُظهر إمكانية استخدام الكبسولة لتصنيف مرضى "مريء باريت" حسب مستويات الخطورة واستبدال فحوصات التنظير التقليدية لمن تنخفض لديهم احتمالات الإصابة.
بديل آمن وقابل للتنفيذ على نطاق واسع
ويعمل الفريق حالياً على تحسين دقة التحاليل المختبرية ويدرس إمكانية استخدام الذكاء الاصطناعي في تحليل الخلايا المأخوذة بالإسفنجة، خطوة قد تقرّبنا أكثر من اعتماد هذه الوسيلة كأداة رئيسية في رصد أورام الحلق قبل أن تتحول إلى أورام يصعب علاجه.