تُعد كفالة الأطفال خياراً إنسانياً يغيّر مصير الأطفال الذين حُرموا من الرعاية الأسرية، ويوفّر لهم فرصة جديدة لحياة مستقرة وآمنة، لكن خلف هذا الجانب الإنساني يواجه العديد من الأطفال المكفولين تحديات نفسية عميقة تستمر مع نموهم خصوصاً في مرحلة الشباب، حيث تتبلور الهوية الذاتية ما بين مشاعر الفقد والغربة وصراعات الهوية والانتماء.
وفي هذا التقرير تستعرض بوابة صحة أبرز الآثار النفسية التي قد ترافق الأطفال المكفولين، وسبل الدعم الممكنة لمساعدتهم على تجاوز هذه التحديات، وفقاً لأحدث الدراسات حول الصحة النفسية للأطفال المكفولين.
تشكل مرحلة الشباب فترة حاسمة في بناء الهوية الشخصية لكنها تكون أكثر تعقيداً بالنسبة للأطفال المكفولين، فالعديد منهم يواجهون صعوبة في فهم هويتهم بسبب الغموض المرتبط بأصولهم البيولوجية وعلاقاتهم مع الأسرة الكافلة، وتجاربهم في الطفولة وتاريخهم الثقافي أو العرقي.
يعاني الأطفال المكفولين من صعوبة في فهم وبناء الهوية الشخصية
من أبرز المشكلات العاطفية التي يواجهها المكفولون "الفقد الغامض" وهو الإحساس بخسارة غير مكتملة لشخص ما، كالأهل البيولوجيين وقد يتبع ذلك "الحزن غير المعترف به" وهو حزن لا يلقى تفهماً أو قبولاً اجتماعياً كالحزن على والد بيولوجي غائب أو غير مسؤول، وتزيد هذه المشاعر من اضطراب الحالة النفسية للطفل.
يعاني بعض الأطفال المكفولين من تجارب سلبية في الطفولة مثل العنف أو الإهمال أو التعرض للمواد المخدرة، وتُعرف هذه التجارب باسم Adverse Childhood Experiences (ACEs)، وقد تؤثر على تطورهم الجسدي والنفسي، كذلك قد يصابون باضطرابات التعلق خصوصاً إذا عاشوا في بيئات أسرية غير مستقرة أو افتقدوا للرعاية المنتظمة في سن مبكرة ما ينعكس على علاقاتهم المستقبلية.
تشير الأبحاث إلى أن الأطفال المكفولين أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب والقلق واضطرابات ما بعد الصدمة (PTSD) واضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه (ADHD)، ووفقاً لدراسة نُشرت في "Archives of Pediatric and Adolescent Medicine"، فإن احتمالية زيارة الأطفال المكفولين لأخصائيين نفسيين تتضاعف مقارنةً بغيرهم.
الأطفال المكفولين أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب والقلق
كما كشفت دراسة في مجلة "Pediatrics" أن خطر الانتحار لدى المكفولين يزيد 4 مرات عن غير المكفولين، وذكرت مجلة "Development and Psychopathology" أن الأطفال المكفولين يعانون من مشاكل سلوكية وعاطفية أكبر لكنهم يستفيدون بشكل ملحوظ من وجود آباء يُظهرون قدراً كبيراً من الدفء والدعم اللفظي والجسدي.
من بين الآثار النفسية الرئيسة للكفالة ما يُعرف بعدم اليقين حول الهوية، فالأطفال المكفولون يسعون لفهم علاقاتهم بأسرهم المتبنية، حيث يشعرون في كثير من الأحيان بالاغتراب الثقافي أو فقدان الانتماء.
تُعد البيئة الداعمة والحوار المفتوح مع الأهل المكفولين من العوامل الأساسية في مساعدة الأطفال المكفولين على الشفاء والتأقلم، كما أن اللجوء إلى مختصين نفسيين يُعزز من قدرة الطفل على فهم تجاربه وتطوير استراتيجيات صحية للتعامل معها، ويوصي الخبراء بالانخراط في مجموعات دعم سواء عبر الإنترنت أو في المجتمع، ما يمنح الطفل شعوراً بالانتماء ويعزز من ثقته بنفسه.
الدعم النفسي يساعد الأطفال المكفولين على الشفاء والتأقلم
يعاني بعض الأطفال من "صدمة كفالة الأطفال" الناتجة عن الانفصال عن أسرهم الأصلية أو المرور بتجارب صعبة قبل كفالة الأطفال خاصة في دور الرعاية البديلة، وتشير الإحصاءات إلى أن 62% من الأطفال في الرعاية البديلة دخلوا النظام بسبب الإهمال أو الإساءة، ما يجعلهم أكثر عرضة للآثار النفسية طويلة المدى.