العقم الذكري أصبح من القضايا الصحية المتزايدة عالميًا إذ يُسهم الرجال في نحو نصف حالات العقم بين الأزواج، وبينما تُعرف الأسباب الشائعة مثل العوامل الوراثية أو البيئية أو أسلوب الحياة بدأت الأبحاث الحديثة تسلط الضوء على عامل آخر غالبًا ما يُهمَل وهو نقص النوم.
تشير مراجعة علمية حديثة نُشرت في مجلة "MDPI" إلى أن قلة النوم قد تؤثر في عدة أنظمة فسيولوجية مهمة أبرزها المحور الوطائي - النخامي - التناسلي (HPG) والمحور الوطائي - النخامي - الكظري (HPA)، ما يؤدي إلى اضطراب الهرمونات الجنسية وارتفاع هرمون الكورتيزول إضافة إلى زيادة الإجهاد التأكسدي وتلف خلايا الخصية.
تأثير النوم على انتاج هرمون التستوستيرون
ينظّم الجسم إفراز الهرمونات الجنسية عبر شبكة دقيقة من الإشارات بين الدماغ والخصيتين، ويُفرز هرمونا FSH وLH أثناء النوم بانتظام للحفاظ على إنتاج التستوستيرون والحيوانات المنوية، إلا أن الحرمان من النوم يغيّر هذا النمط الطبيعي فينخفض التستوستيرون وتضطرب نسب FSH وLH، مما يضعف عملية تكوين الحيوانات المنوية (spermatogenesis).
في دراسة أُجريت على مجموعة من الرجال الشباب تبيّن أن النوم أقل من 5 ساعات لعدة ليالٍ متتالية أدى إلى انخفاض بنسبة 10–15٪ في مستويات التستوستيرون الصباحي وهو ما يرتبط بانخفاض الخصوبة وانخفاض الرغبة الجنسية.
تأثير قلة النوم على هرمون الكورتيزول
قلة النوم لا تؤثر فقط على الهرمونات الجنسية بل تحفز أيضًا المحور الوطائي - النخامي - الكظري (HPA)، ما يؤدي إلى ارتفاع هرمون الكورتيزول المعروف باسم "هرمون التوتر"، وارتفاع الكورتيزول المزمن يثبط إفراز هرمون GnRH المسؤول عن تحفيز إنتاج التستوستيرون ما يفاقم ضعف الخصوبة.
وأظهرت دراسات في مجلة "Frontiers in Endocrinology" أن الرجال المصابين بالعقم لديهم مستويات كورتيزول أعلى من الأصحاء مما يدعم وجود علاقة بين التوتر الناتج عن قلة النوم واضطراب الخصوبة.
قلة النوم تُضعف دفاعات الجسم المضادة للأكسدة مما يؤدي إلى تراكم الجذور الحرة (ROS) داخل الخصيتين، فهذه الجزيئات تُحدث تلفًا في الحمض النووي للحيوانات المنوية وتقلل من قدرتها على الحركة والإخصاب.
وقد بيّنت أبحاث في مجلة "Reproductive Biology and Endocrinology" أن أكثر من 70% من الرجال الذين يعانون من العقم لديهم علامات على الإجهاد التأكسدي ما يشير إلى أن تحسين جودة النوم يمكن أن يحد من هذه الحالة.
أحد الاكتشافات اللافتة هو أن قلة النوم قد تُضعف الحاجز الدموي - الخصوي (BTB) وهو الجدار الذي يحمي خلايا الخصية من السموم والالتهابات، عند تضرر هذا الحاجز يفقد الجسم قدرته على حماية الحيوانات المنوية أثناء تطورها مما يؤدي إلى انخفاض عددها وضعف جودتها، كما قد يثير ردود فعل مناعية ضد خلايا الخصية نفسها.
تشير تجارب على الحيوانات إلى أن استعادة نمط نوم صحي قد لا يُعيد الخصوبة بالكامل بعد فترات طويلة من الحرمان من النوم ما يبرز أهمية الوقاية من البداية، ويؤكد الباحثون أن تحسين عادات النوم بالإضافة للنوم المنتظم لمدة تتراوح بين 7 و9 ساعات يوميًا قد يكون من أبسط الطرق وأقلها تكلفة لتحسين الخصوبة الذكرية والحفاظ على التوازن الهرموني.