لماذا أصبح الاعتلال الدماغي المزمن مصدر قلق عالمي للرياضيين؟

الاعتلال الدماغي المزمن (CTE) هو مرض تنكسي يصيب الدماغ نتيجة التعرّض المتكرر لضربات الرأس، كان يُعرف في البداية باسم "خرف الملاكمين أو dementia pugilistica" حيث لوحظ لأول مرة بين الملاكمين، لكن الأبحاث الحديثة أظهرت أنه يمكن أن يصيب أيضًا لاعبي كرة القدم والمصارعين وغيرهم ممن يمارسون رياضات تتضمن احتكاكًا متكررًا بالرأس بل وحتى بعض العسكريين.

ضبط الخلايا العصبيةتدهور الخلايا العصبية

كيف يحدث المرض؟

يحدث الاعتلال الدماغي المزمن بسبب تراكم بروتين غير طبيعي يسمى "tau" داخل خلايا الدماغ، هذا البروتين يتجمع حول الأوعية الدموية الصغيرة خصوصًا في مناطق عميقة من القشرة الدماغية، ومع مرور الوقت يتسبب ذلك في تدهور الخلايا العصبية ما يؤدي إلى مشاكل في الذاكرة والمزاج والسلوك.

حدد فريق من خبراء الأعصاب معايير دقيقة لتشخيص المرض بعد الوفاة من خلال ملاحظة تراكم "tau" بشكل مميز في الدماغ، وأُضيفت لاحقًا خصائص أخرى مثل تأثر مناطق معينة من الحُصين (hippocampus) واللوزة الدماغية (amygdala).

الملاكمة الجزائرية إيمان خليفرياضات تسبب الاعتلال الدماغي 

نتائج الدراسات الحديثة

كشفت دراسة حديثة في "Mount Sinai" أن 15% فقط من المتبرعين بأدمغتهم ممن تعرضوا لإصابات دماغية كانت لديهم علامات واضحة على الاعتلال الدماغي المزمن، ومع ذلك فمعظم الحالات التي وُجد فيها المرض كانت لأشخاص مارسوا رياضات عنيفة أو تعرضوا لصدمات متكررة في الرأس مثل لاعبي كرة القدم الأمريكية والملاكمين.

أما في الحالات التي تعرضت لإصابة واحدة أو اثنتين فقط، فقد كان وجود المرض نادرًا جدًا مما يشير إلى أن السبب الرئيسي هو الضربات المتكررة وليس الإصابة الفردية.

من الأكثر عرضة للإصابة؟

يُعد لاعبو الرياضات العنيفة خاصة أولئك الذين يمارسونها لفترات طويلة الأكثر عرضة للإصابة بهذا الاعتلال، كما يمكن أن يظهر لدى من تعرضوا للعنف الجسدي المزمن مثل سوء معاملة الأطفال أو العنف الأسري، وتُظهر الأبحاث أن تكرار الصدمات حتى وإن كانت خفيفة قد يؤدي بمرور الوقت إلى تغيّرات دائمة في الدماغ.

الأعراض والعلامات

تبدأ أعراض الاعتلال الدماغي المزمن غالبًا بعد سنوات من التعرّض المتكرر للصدمات، وتشمل:

  • ضعف الذاكرة والتركيز
  • تقلبات مزاجية واكتئاب
  • ميول عدوانية أو انتحارية
  • صعوبة في اتخاذ القرار أو التحكم في السلوك

هذه الأعراض تتشابه جزئيًا مع أمراض أخرى مثل الزهايمر لكنها ترتبط مباشرة بتاريخ الإصابات الدماغية المتكررة.

التحديات في التشخيص

حتى الآن لا يمكن تشخيص الاعتلال الدماغي المزمن بدقة إلا بعد الوفاة من خلال فحص أنسجة الدماغ إلا أن الباحثين يسعون لاكتشاف مؤشرات حيوية يمكن رصدها أثناء الحياة ما يساعد في التشخيص المبكر والوقاية، وأن الأعراض السريرية وحدها لا تكفي وأن تداخل المرض مع أمراض أخرى مثل ألزهايمر يجعل التشخيص أكثر تعقيدًا.

لماذا يشكّل هذا المرض خطرًا عامًا؟

رغم أن المرض لا يصيب عامة الناس بشكل واسع إلا أن انتشاره بين الرياضيين والعسكريين يثير قلقًا متزايدًا في المجال الصحي، فالإصابات المتكررة التي يتعرض لها هؤلاء يمكن أن تؤدي إلى تدهور معرفي وسلوكي مبكر ما يجعل التوعية والوقاية ضرورة ملحّة.

ينصح الخبراء بتشديد الإجراءات الوقائية في الرياضات العنيفة مثل تحسين أدوات الحماية وتقليل عدد التصادمات، بالإضافة إلى المتابعة الطبية المستمرة للرياضيين حتى بعد التوقف عن اللعب.

الوقاية والعلاج المحتمل

حتى الآن لا يوجد علاج نهائي للاعتلال الدماغي المزمن لكن يمكن الحد من خطر الإصابة عبر تقليل التعرض المتكرر لضربات الرأس، كما يوصي الأطباء بضرورة ارتداء معدات الحماية المناسبة أثناء ممارسة الرياضة والالتزام بفترات راحة كافية بعد أي إصابة دماغية حتى لو بدت بسيطة.

كما يُنصح الرياضيون بإجراء فحوص دورية لوظائف الدماغ ومراقبة أي تغيّر في الذاكرة أو السلوك، ويأمل الباحثون أن تساهم الدراسات المستقبلية في تطوير علاجات وقائية تستهدف بروتين "tau" لمنع تراكمه قبل أن يتلف خلايا الدماغ.