منذ لحظة الميلاد تبدأ علاقة دائمة بين الإنسان وملايين البكتيريا التي تعيش على سطح جلده، هذه الكائنات الدقيقة تُعدّ جزءًا أساسيًا من النظام المناعي الطبيعي وتساعد في حماية الجلد من الملوثات والمسببات المرضية، وعندما يختل توازنها تظهر مشكلات جلدية مثل حبّ الشباب والإكزيما والوردية.
في هذا السياق، برزت دراسات علمية عديدة منذ مطلع الألفية الجديدة نُشرت في مجلات مثل Frontiers in Microbiology وNature Reviews Microbiology لتؤكد أن البروبيوتيك، وهي بكتيريا نافعة حية تُضاف إلى النظام الغذائي أو المستحضرات التجميلية، يمكن أن يكون لها تأثيراً فعّالاً في تحسين صحة البشرة.
تأثير البروبيوتيك ينتقل من الأمعاء إلى الجلد
لطالما ارتبط البروبيوتيك بصحة الجهاز الهضمي لكن الأبحاث الحديثة تشير إلى أنه يمكن أن يؤثر إيجابًا أيضًا في أعضاء أخرى منها الجلد، إذ تساعد هذه البكتيريا في إعادة التوازن إلى ما يُعرف بـ"الميكروبيوم الجلدي" وهو النظام البيئي للبكتيريا النافعة على سطح الجلد، هذا التوازن يسهم في تقوية الحاجز الواقي للجلد وتقليل الالتهابات وتحسين مرونته ولمعانه.
وأوضحت أن تناول البروبيوتيك عن طريق الفم يمكن أن يقلل الالتهابات داخل الجسم مما ينعكس مباشرة على مظهر الجلد في حين أن تطبيقه موضعيًا يمنح تأثيرًا أسرع وأكثر تركيزًا في أماكن التهيّج أو الجفاف.
الحفاظ على نضارة البشرة
تشير مراجعة علمية شاملة أُجريت على أكثر من 700 دراسة منذ عام 2000 إلى تزايد الاهتمام العالمي باستخدام البروبيوتيك في مستحضرات التجميل، وتصدّرت الجامعات الأمريكية والكندية قائمة المؤسسات الأكثر بحثًا في هذا المجال، ورغم هذا النشاط البحثي لم تعتمد FDA حتى الآن أي منتج بروبيوتيك للاستخدام الخارجي رسميًا، ما يسلّط الضوء على الحاجة إلى وضع لوائح تنظم هذا النوع من المستحضرات وتضمن جودتها وسلامتها.
أظهرت التجارب أن البروبيوتيك المستخدم مباشرة على البشرة يمكن أن يحسّن الترطيب ويقوّي الحاجز الواقي للجلد، ففي دراسة سابقة نُشرت في Experimental Dermatology تم تطبيق كريم يحتوي على بكتيريا نافعة على البشرة الجافة فلوحظ تحسّن واضح في نعومة الجلد وتقليل الاحمرار.
أما البروبيوتيك الفموي فيعمل بطريقة غير مباشرة عبر تنظيم البكتيريا النافعة في الأمعاء مما يقلل الالتهابات العامة بالجسم وينعكس على البشرة، وتوصي بعض الأبحاث بمزج الطريقتين للحصول على نتائج أكثر استدامة.
من أبرز التحديات التي تواجه البروبيوتيك الموضعي قدرته على البقاء حيًا على سطح الجلد الذي يتميّز ببيئة حمضية وجافة، وقد طوّرت فرقاً بحثية حديثة حلولًا مبتكرة مثل تغليف البكتيريا بطبقات واقية دقيقة تحافظ على نشاطها لفترة أطول.
أما من ناحية السلامة، فالبروبيوتيك آمن للاستخدام الموضعي لدى أغلب الأشخاص لكنه قد يحتاج إلى تقييم إضافي في حالات ضعف المناعة أو الأمراض الجلدية المزمنة.
تتجه الأبحاث الحالية إلى تطوير "ما بعد البروبيوتيك" (Post-biotics) وهي مكوّنات غير حية مشتقة من البكتيريا المفيدة يمكنها تقديم نفس الفوائد دون الحاجة إلى بكتيريا حية، ويرى الباحثون أن هذا النهج قد يكون أكثر أمانًا واستقرارًا ما يمهّد الطريق لجيل جديد من مستحضرات العناية بالبشرة تعتمد على تكنولوجيا الميكروبيوم.