يُعد اضطراب الوسواس القهري (OCD) أحد أكثر الاضطرابات النفسية شيوعاً وإساءة في الفهم، فكثيرون يعتقدون أنه مجرد رغبة مفرطة في النظافة أو النظام بينما هو في الحقيقة اضطراب عقلي شديد التعقيد يتسبب في معاناة حقيقية تؤثر على جميع جوانب الحياة.
بحسب Journal of Anxiety Disorders، يصيب هذا الاضطراب نحو شخص واحد من بين كل 40 بالغاً ويتميز بوجود أفكار متكررة مزعجة أو مخاوف غير منطقية (وساوس) تدفع المصاب إلى القيام بأفعال قهرية لمحاولة تخفيف القلق مثل غسل اليدين باستمرار أو التحقق المتكرر من الأشياء أو العدّ بصوت خافت.
يقع المصابون بالوسواس القهري في حلقة مغلقة يصعب كسرها، تبدأ الفكرة الوسواسية بإثارة القلق فيلجأ الشخص إلى سلوك قهري لتخفيفه مما يمنحه راحة مؤقتة، لكن مع الوقت يصبح هذا السلوك ضرورة متكررة فتزداد حدة الأعراض وتتعزز الدائرة المفرغة بين الوسواس والفعل القهري.
ويوضح خبراء علم النفس أن هذا النمط من التفكير والسلوك لا يتعلق بالإرادة أو ضعف الشخصية بل بتغيرات في دوائر معينة داخل الدماغ مسؤولة عن التحكم في الأفكار والسلوكيات.
دوامة الوساوس والأفعال القهرية
تتعدد أشكال الوسواس القهري، ومن أبرزها:
وسواس التلوث: الخوف المفرط من الجراثيم أو الأوساخ ويؤدي إلى طقوس مفرطة في التنظيف والغسل.
وسواس التحقق: الحاجة الدائمة للتأكد من الأمور مثل غلق الأبواب أو إيقاف الأجهزة الكهربائية.
وسواس الأذى: الخوف غير المنطقي من إيذاء النفس أو الآخرين رغم غياب أي نية حقيقية لذلك.
الوساوس الفكرية: أفكار مزعجة أو دينية أو أخلاقية تتكرر في ذهن المصاب وتسبب له شعوراً بالذنب أو القلق.
تشير تقديرات International OCD Foundation إلى أن ما بين 25 إلى 50% من المصابين بالوسواس القهري يعانون أيضاً من نوبات اكتئاب في مرحلة ما من حياتهم، ويرجع ذلك إلى الإرهاق النفسي الناتج عن الصراع اليومي مع الأفكار القهرية وصعوبة السيطرة عليها، ما يخلق شعوراً بالعجز واليأس.
يُعد العلاج السلوكي المعرفي (CBT) وبخاصة علاج "التعرّض ومنع الاستجابة" (Exposure and Response Prevention - ERP) الطريقة الأكثر فعالية في التعامل مع الوسواس القهري، وفقاً لما نشر في American Journal of Psychiatry.
يقوم هذا النوع من العلاج على تعريض المريض تدريجياً للمواقف التي تثير القلق مع منعه من القيام بالسلوك القهري الذي يعتاد عليه، ومع التكرار يتعلّم الدماغ أن القلق يتراجع من تلقاء نفسه دون الحاجة إلى الطقوس القهرية.
العلاج السلوكي هو الأساس
تُظهر الدراسات أن إشراك الأسرة في العلاج يساعد في تقليل الانتكاسات خاصةً عندما يفهم الأهل طبيعة المرض ويتوقفون عن التصرفات التي تُبقي الخوف قائماً مثل طمأنة المريض المتكررة أو مساعدته في تنفيذ طقوسه القهرية، كما تلعب مجموعات الدعم النفسي دوراً مهماً في تعزيز الثقة وتشجيع المصابين على الاستمرار في رحلة العلاج.
اضطراب الوسواس القهري ليس مجرد "حب للكمال" بل هو معركة يومية يعيشها ملايين الأشخاص في صمت، ويؤكد الخبراء أن فهم المجتمع لهذا الاضطراب والتعامل معه بوعي ورحمة يُعد خطوة أساسية نحو التعافي وتخفيف الوصمة النفسية المرتبطة به.