مع تصاعد وتيرة الحياة اليومية وزيادة معدلات التوتر والقلق، أصبح الاكتئاب من أكثر الاضطرابات النفسية انتشاراً حول العالم، ولمواجهة هذا التحدي بدأ باحثون في دراسة التأثيرات النفسية للأنشطة اليومية البسيطة، ومنها روتين الاستحمام الذي تبين أنه يلعب دوراً مهماً في تحسين المزاج والتخفيف من أعراض الاكتئاب.
تشير دراسة نُشرت في مجلة New Scientist إلى أن الاستحمام بالماء الساخن يمكن أن يساعد في محاكاة الإيقاع اليومي الطبيعي لدرجة حرارة الجسم وهو ما يرتبط بشكل مباشر بتحسين الحالة النفسية، فعندما يغمر الشخص جسده في الماء الدافئ ترتفع درجة حرارة الجسم مؤقتاً ثم تنخفض تدريجياً بعد الخروج من الحمام، ما يحفز الجسم على الاسترخاء ويعزز الشعور بالراحة النفسية.
الاستحمام بالماء الساخن وتأثيره على المزاج
وجدت دراسة أخرى نُشرت في BMC Psychiatry عام 2018 أن الاستحمام بالماء الساخن مرتين في الأسبوع كان فعّالاً مثل التمارين الرياضية في تحسين أعراض الاكتئاب المتوسط، كما أنه ساهم في تحسين جودة النوم.
في المقابل، للاستحمام بالماء البارد تأثير مختلف تماماً لكنه لا يقل أهمية، وفقًا لتقرير نشرته Medical Hypotheses، فإن التعرض للماء البارد يحفز ما يُعرف برد الفعل السمبثاوي (Sympathetic Nervous System)، ما يؤدي إلى زيادة مستويات النورأدرينالين والإندورفينات وهما من المواد الكيميائية المرتبطة بتحسين المزاج.
ويشير الباحثون إلى أن الدش البارد يعمل كنوع من التحفيز الكهربائي الخفيف للدماغ ويحسّن من اليقظة الذهنية ويمنح شعوراً عاماً بالحيوية، كما لاحظت دراسات سابقة مثل تلك المنشورة في North American Journal of Medical Sciences، أن الاستحمام بالماء البارد يمكن أن يساهم في تقليل مستويات القلق وتحفيز الجهاز المناعي.
روتين الاستحمام لا يقتصر فقط على درجة حرارة الماء بل يشمل أيضاً طقوس العناية بالجسم مثل استخدام الزيوت العطرية وغسل الشعر وتدليك فروة الرأس واستخدام الصابون المعطر، هذه الممارسات تندرج تحت ما يُعرف بـ "العناية الذاتية" (Self-care) والتي تلعب دوراً متزايداً في العلاج النفسي.
توضح دراسة نشرتها مجلة Psychology & Health أن العناية الذاتية المنتظمة بما في ذلك الاستحمام تساهم في تعزيز الإحساس بالسيطرة والاهتمام بالنفس، وهو أمر أساسي لدى من يعانون من الاكتئاب، حيث يساعد هذا الروتين في كسر دائرة الإهمال الذاتي التي تكون شائعة لدى المصابين بالاكتئاب، ويُعيد الشعور بالهوية والكرامة الشخصية.
أثبتت بعض الأبحاث أن استخدام الزيوت العطرية مثل زيت اللافندر أو النعناع خلال الاستحمام يمكن أن يعزز التأثيرات النفسية الإيجابية، حيث أظهرت دراسة -نُشرت في Evidence-Based Complementary and Alternative Medicine- أن استنشاق الزيوت العطرية خلال الحمام يمكن أن يقلل من مستويات الكورتيزول وهو هرمون التوتر ويزيد من الإحساس بالراحة.
دور الروائح والزيوت العطرية في تحسين الحالة النفسية
إدخال روتين استحمام منتظم ومتوازن في نمط الحياة اليومية يمكن أن يكون وسيلة فعالة وغير مكلفة في التعامل مع أعراض الاكتئاب سواء عبر الماء الساخن للاسترخاء أو البارد للتنشيط، فإن التأثير الفيزيولوجي والنفسي لهذه العادة يفتح آفاقاً جديدة في العلاج السلوكي اليومي بدعم من نتائج بحثية تؤكد جدواها.