ليست مسألة ذكاء.. لماذا يتفوق الرجال في الملاحة عن النساء؟

كشفت دراسة نرويجية حديثة أجراها باحثون في Norwegian University of Science and Technology (NTNU) عن سبب تفوق الرجال في مهارات التوجيه والملاحة مقارنة بالنساء، مؤكدة أن هذا التباين لا يرتبط بالقدرة أو الذكاء بل بطريقة مختلفة في استخدام الدماغ أثناء التنقل أو تحديد الاتجاهات.

تجربة علمية في بيئة افتراضية

شارك في التجربة 36 متطوعاً (18 رجلاً و18 امرأة) وتم تزويدهم بنظارات ثلاثية الأبعاد وأجهزة تحكم إلكترونية وطُلب منهم تنفيذ 45 مهمة ملاحة داخل عالم افتراضي معقد، حصل المشاركون على ساعة كاملة لاستكشاف البيئة قبل بدء التجربة ثم مُنح كل منهم 30 ثانية لإيجاد مواقع محددة من نقاط انطلاق مختلفة.

الرجال أقل تعاطفا من النساءتجربة علمية في بيئة افتراضية

أظهرت النتائج أن الرجال أنجزوا المهام بنسبة أعلى بلغت 50% مقارنة بالنساء كما كانوا أسرع في الوصول إلى الوجهة المطلوبة، فيما أوضح الباحث كارل بينتزكا، الحاصل على درجة الدكتوراه في قسم علوم الأعصاب بالجامعة، أن حاسة التوجيه لدى الرجال كانت أكثر كفاءة إذ تمكنوا ببساطة من الوصول إلى وجهتهم بسرعة أكبر.

الاختلاف في طريقة استخدام الدماغ

بيّنت صور الأشعة أن الرجال يعتمدون أثناء التنقل على منطقة hippocampus في الدماغ وهي المسؤولة عن استخدام الاتجاهات الأساسية (الشمال، الجنوب، الشرق، الغرب) لتحديد الموقع، في المقابل تميل النساء إلى الاعتماد على المناطق الأمامية من الدماغ حيث يقمن بتخزين المسارات وتذكر الطرق المعروفة وهي استراتيجية فعّالة في الأماكن المألوفة لكنها أقل مرونة في البيئات الجديدة.

هذا يعني أن الرجال يستخدمون ما يسمى بـ"الملاحة المكانية" التي ترتكز على الاتجاهات العامة، بينما تفضل النساء "الملاحة المعتمدة على المعالم" أي تذكر نقاط محددة على الطريق مثل المباني أو العلامات البارزة.

تفوق النساء في الذاكرة الموضعية

ورغم تفوق الرجال في تحديد الاتجاهات العامة، فإن الدراسة أظهرت ميزة واضحة لدى النساء فيما يعرف بـ"الذاكرة الموضعية"، أي القدرة على تذكر أماكن الأشياء الدقيقة مثل مواقع المفاتيح أو الأجهزة في المنزل، هذا التباين في القدرات -بحسب الباحثين- يُظهر أن الجنسين يمتلكان مهارات مختلفة تكمل بعضها البعض، ما يجعل العمل الجماعي بينهما أكثر فعالية في مهام الملاحة أو البحث.

جذور تطورية للاختلافات

يفسر الباحثون هذه الفروق من منظور تطوري حيث كان الرجال في العصور القديمة يقومون بمهام الصيد التي تتطلب التحرك في مسافات واسعة والاعتماد على الاتجاهات الأساسية، بينما كانت النساء أكثر انشغالًا بجمع الطعام داخل مناطق محدودة، ما عزز قدرتهن على تذكر تفاصيل الأماكن القريبة.

الاستماع لنصائح الرجال في الستينيات يعزز شعورهم بقيمة حياتهمجذور تطورية للاختلافات

ويقول "بينتزكا" إن الاختلافات في أنماط الدماغ بين الجنسين ربما تعود إلى هذه الأدوار القديمة، مضيفاً أن النساء أكثر سرعة في العثور على الأشياء داخل المنزل، بينما الرجال أسرع في العثور على المنزل نفسه.

ما وراء الفروق البيولوجية

تسلط الدراسة الضوء أيضاً على البعد الاجتماعي لهذه الفروق إذ تشير أبحاث أخرى إلى أن الرجال غالبًا ما يترددون في طلب المساعدة أو الاتجاهات بسبب الصورة النمطية المرتبطة بالاعتماد الذاتي بينما يُتوقع من النساء عكس ذلك، وقد خلص الباحثون إلى أن فهم هذه الفروق لا يعني وجود تفوق لجنس على آخر بل يساعد في إدراك تنوع القدرات الإدراكية بين الرجال والنساء وتكاملها في مواقف الحياة اليومية.