لماذا يحذر علماء النفس من السعي الدائم وراء السعادة؟

في عالم اليوم الذي يروّج لفكرة البحث المستمر عن السعادة وكأنها الهدف الأسمى للحياة يحذر خبراء علم النفس من أن هذا السعي الدائم قد يقود إلى نتيجة عكسية، فبدلاً من أن يشعر الإنسان بالراحة والرضا قد يجد نفسه أكثر تعاسة وإحباطاً لأن السعادة ليست حالة ثابتة يمكن امتلاكها طوال الوقت بل تجربة إنسانية متغيرة تتأثر بالتوازن بين الحاضر والماضي والمستقبل.

مفهوم السعادة المتعددة

يقول فرانك تي. ماك أندرو، أستاذ علم النفس في Knox College، إن السعادة ليست شيئاً واحداً متجانساً بل تتعدد أشكالها وقد تتعارض أحياناً، على سبيل المثال لا يمكن للفرد أن يدخر المال لمستقبل مُرضٍ في الحياة المهنية ويعيش في الوقت نفسه حياة مليئة بالمتعة الفورية والرفاهية المفرطة، كلاهما يمثلان أشكالاً من السعادة لكن تحقيق أحدهما غالباً يأتي على حساب الآخر.

تأثير السعادة على الصحةمفهوم السعادة المتعددة

لماذا السعي المستمر للسعادة غير فعال

يشير ماك أندرو إلى أن محاولة السعادة المستمرة قد تكون مهمة عقيمة، حيث إن الدماغ البشري مصمم بطريقة تجعل الشعور بالسعادة دائماً صعب التحقيق، نحن نميل إلى تذكر الماضي بألوان أجمل مما كان عليه فعلياً ونتخيل المستقبل أفضل مما هو عليه في الواقع، من منظور تطوري هذا منطقي؛ فالتطلعات نحو مستقبل أفضل تحفز الإنسان على العمل والبقاء، بينما تعزز ذكريات الماضي الإحساس بإمكانية تحقيق السعادة.

لكن في حياتنا المعاصرة لا يواجه معظمنا المخاطر القصوى التي واجهها البشر القدماء ومع ذلك يبقى الواقع اليومي مليئاً بالضغوط والتحديات ما يجعل السعادة اللحظية نادرة.

التوازن بين أنواع السعادة

الاستفادة من السعادة تكمن في الاعتراف بها عند حدوثها بدلاً من السعي الدائم وراءها، وفقاً لماك أندرو عندما نتوقف عن محاولة فرض السعادة على حياتنا بشكل مستمر نصبح أكثر قدرة على تقدير اللحظات السعيدة والاستمتاع بها.

دروس من علم النفس التطوري

يشدد الباحث على أن فهم آليات الدماغ التطورية يساعدنا على إدراك سبب شعورنا بعدم الرضا المستمر، التطلعات المستقبلية والحنين إلى الماضي وحتى لحظات الحزن كلها أدوات تطورية تحافظ على بقاء الإنسان وتساعده على التكيف مع الحياة.

تأثير السعادة على الصحةدروس من علم النفس التطوري

الخلاصة

بدلاً من السعي الدائم وراء السعادة، ينصح ماك أندرو بالتركيز على الاعتراف باللحظات السعيدة وتقديرها وفهم أن الحزن والإحباط جزء طبيعي من التجربة الإنسانية، الأشخاص الذين يتوقفون عن السعي المستمر يكونون في النهاية أكثر قدرة على الشعور بالسعادة الحقيقية.

وفقاً للدراسات فإن مقاييس السعادة الذاتية لم تتغير بشكل كبير خلال أكثر من 40 عاماً، ما يعكس أن السعادة المستمرة هدف بعيد المنال وأن القبول بالعواطف المتباينة جزء أساسي من الصحة النفسية.