في عالمٍ تُقاس فيه التنمية بمدى اهتمامها بصحة الإنسان وكرامته، لا تزال ملايين النساء في الدول الإفريقية والفقيرة يعانين بصمتٍ من تداعيات ناسور الولادة، إحدى أقسى المضاعفات الصحية التي تخلفها الولادات المتعسرة، حيث لا يقتصر تأثير هذه المشكلة على الألم الجسدي فحسب، بل يمتد ليشمل تدميراً نفسياً واجتماعياً يدفع النساء إلى العزلة، وفقدان الثقة بالنفس، بل وحتى التفكير في الانتحار في بعض الحالات.ناسور الولادة وصمة عار تلاحق الإفريقيات
وفي ظل غياب الوعي المجتمعي، وندرة الرعاية الطبية والنفسية، تتحول معاناة المصابات إلى حلقة مفرغة من الألم والوصمة الاجتماعية، حيث يُنظر إليهنّ على أنهنّ "عاجزات" أو "ناقصات"، مما يفاقم من معاناتهنّ ويُعمّق جراحهنّ النفسية.
وتزامناً مع اليوم الدولي للقضاء على ناسور الولادة تستعرض بوابة صحة في هذا التقرير الآثار النفسية والاجتماعية المدمرة لهذه المشكلة، والتحديات التي تواجهها النساء في سبيل الحصول على العلاج والدعم، مُستندةً إلى بيانات طبية وتقارير منظمات دولية تعمل في هذا المجال.
يتسبب ناسور الولادة في تسرب البول أو البراز بشكل لا إرادي، ما يؤدي إلى رائحة كريهة وصعوبة في الحفاظ على النظافة الشخصية، هذا السلس يؤدي إلى النبذ الاجتماعي والعزلة في بعض البلدان الإفريقية النامية، وفي بعض المجتمعات، تُعزى الإصابة بالناسور إلى الخطيئة أو اللعنة، ما يزيد من الوصمة الاجتماعية.
يعد الاكتئاب أحد العواقب النفسية التي تواجه النساء بعد الإصابة بناسور الولادة، حيث أظهرت الأبحاث والمراجعات المنهجية أن الاكتئاب ينتشر بين النساء في الدول الإفريقية منخفضة الدخل بعد الإصابة بناسور الولادة، حيث وصلت نسبة المصابات إلى 56.2%، حسب موقع National Library of Medicine.
ويظهر على سلوك النساء المصابات بناسور الولادة أعراض الانسحاب الاجتماعي بسبب الرفض المجتمعي ووصمة العار التي تلحق بهن، ما يُشعرهن بعدم القيمة وفقدان متعة الحياة والفرح فيها.
من ناحية أخرى، تعاني السيدات من الابتعاد العاطفي والجسدي بسبب نفور الأزواج من العلاقة الحميمة، حيث ينظر الرجل إلى المرأة المصابة بناسور الولادة على أنها غير قادرة على الإنجاب أو تلبية احتياجاته الزوجية، ما يترك ألماً نفسياً عميقاً بداخلها.
وفي الواقع، قد يلجأ الكثير من الرجال إلى الانفصال أو الزواج بامرأة أخرى، ما يجعل المرأة تفقد الثقة بنفسها ويعمق بداخلها إحساساً بأنها عالة على الأسرة وغير قادرة على القيام بدورها كزوجة، وفقاً لموقع Catherine Hamlin Fistula Foundation.
بسبب الفقر والجهل، تندر سبل الدعم الاجتماعي والنفسي في هذه البلدان، ما يزيد من وصمة العار لدى النساء بسبب عدم وجود رعاية نفسية وطبية جيدة للعلاج.
لا يدرك الكثيرون ما هو ناسور الولادة وما أسباب إصابة النساء به، فأغلب النساء يُصَبنَ به بسبب الزواج المبكر وممارسة الجنس القسري.الزواج المبكر يسبب ناسور الولادة
لا توجد وسائل مساعدة أو تثقيف صحي حقيقي بخصوص ناسور الولادة؛ لذلك تظل النساء في حلقة المعاناة نفسها طوال حياتهن حتى الممات.