لماذا استخدم المصريون القدماء كُحل العيون؟ زينة ووقاية من الأمراض

منذ آلاف السنين، لم يكن الكحل الأسود الذي زيّن عيون الملكات المصريات مثل نفرتيتي وكليوباترا، مجرد رمز للجمال بل ارتبط أيضًا بالنظافة والعلاج والوقاية، إذ كان المصريون القدماء يدركون أن العين أكثر أعضاء الجسد تعرضًا للغبار والعدوى في بيئة حارة ومليئة بالمياه الراكدة؛ ولذلك طوّروا خلطات دقيقة لحماية العين إلى جانب تجميلها.

الكحل يزين قناع توت عنخ آمونالرجال والنساء استخدموا الكحل في مصر القديمة

مكونات دقيقة ومعرفة مبكرة

تشير البرديات الطبية القديمة، مثل بردية إيبرس، إلى أن المصريين استخدموا مواد معدنية ونباتية لعلاج أمراض العين من بينها الرصاص والكربون والزيوت الحيوية، حيث كانوا يخلطون هذه المواد في أوانٍ حجرية صغيرة ويستخدمون أدوات دقيقة لتطبيقها حول الجفون.

كما ارتبط استخدام الكحل بمعتقد ديني؛ فقد كان المصريون يعتقدون أن وضعه يوفّر حماية رمزية من "العين الشريرة" ويجلب بركة الإلهين رع وحورس ما جعل الكحل جزءًا من الطقوس اليومية للرجال والنساء على حد سواء.

عين حورسعين حورس

الطب الحديث يؤكد ذكاء القدماء المصريين

ورغم مرور آلاف السنين ما زالت هذه الممارسات تثير فضول العلماء، ففي دراسة فرنسية نُشرت في مجلة Analytical Chemistry التابعة لـ American Chemical Society تبيّن أن الكحل الفرعوني لم يكن خاليًا من الأساس العلمي.

ووجد الباحثون أن بعض المركّبات المحتوية على الرصاص المستخدمة في الكحل ساعدت على زيادة إنتاج أكسيد النيتريك (Nitric Oxide) في خلايا الجلد بنسبة كبيرة وهو مركّب معروف بدوره في تعزيز المناعة ومقاومة الالتهابات خصوصًا في العين.

الكيمياء تبدأ من الكحل

يشير العلماء إلى أن المصريين القدماء ربما لاحظوا بالفطرة أن نوعًا معينًا من الكحل يساعد على الوقاية من أمراض العين فعملوا على تطويره وصنعوا مركّبات جديدة تشبه تلك التي نعرفها اليوم في الكيمياء الطبية.

ويُرجّح أن هذا الاكتشاف المبكر يُعد من أقدم الأمثلة على التطبيقات الكيميائية في التاريخ إذ لم يكن الجمال عند المصريين منفصلًا عن الصحة بل امتزج الاثنان في فلسفة واحدة ترى الجسد مرآة للانسجام بين الإنسان والطبيعة.