التفكير الضبابي جرس إنذار لاضطراب نفسي خطير

كشفت دراسة نُشرت في مجلة Nature Mental Health بتاريخ 9 يناير 2025 أجراها باحثون من جامعة كوبنهاغن، أن ما يُعرف بـ"التفكير الضبابي" أي صعوبة التركيز وضعف الذاكرة والبطء الذهني، قد لا يكون مجرد عرض مؤقت ناتج عن الإرهاق أو التوتر بل قد يمثل علامة مبكرة على اضطراب ثنائي القطب وهو أحد أشكال الاكتئاب المزمن الذي يؤثر على الحالة المزاجية والقدرات المعرفية على حد سواء.

دور النوم في غسل الدماغ من السمومالتفكير الضبابي يؤثر على الدماغ

اضطراب معقّد يغيّر بنية الدماغ

قام فريق البحث بتحليل بيانات 167 مريضًا يعانون من اضطراب ثنائي القطب في مرحلة استقرار جزئي أو كامل مستخدمين مجموعة متكاملة من تقنيات التصوير الدماغي شملت التصوير بالرنين المغناطيسي البنيوي والوظيفي إلى جانب اختبارات معرفية وسلوكية دقيقة.

وأظهرت النتائج وجود ارتباط واضح بين ضعف الأداء في اختبارات الذاكرة وسرعة المعالجة اللفظية وبين انخفاض النشاط في مناطق محددة من الدماغ أبرزها القشرة الجبهية الظهرية الجانبية (Dorsolateral Prefrontal Cortex) والتلفيف فوق الهامشي (Supramarginal Gyrus) وهما منطقتان ترتبطان بوظائف التفكير المنطقي والذاكرة العاملة والانتباه.

ضعف إدراكي حتى في فترات الهدوء

أوضحت الدراسة أن المرضى الذين يعانون من اضطراب ثنائي القطب يظلون معرضين لضعف في القدرات المعرفية حتى في الفترات التي تغيب فيها نوبات الهوس أو الاكتئاب وهو ما يشير إلى أن التغيرات الدماغية المصاحبة للاضطراب لا تختفي بانتهاء الأعراض الظاهرة.

ويرى الباحثون أن هذا الضعف الإدراكي يمثل عنصرًا جوهريًا في طبيعة المرض وليس نتيجة ثانوية لتقلبات المزاج، مؤكدين أن اضطراب ثنائي القطب يجب التعامل معه كحالة تؤثر في بنية الدماغ ووظائفه العصبية على المدى الطويل.

نحو مؤشرات بيولوجية دقيقة

يسعى الفريق العلمي إلى استخدام هذه النتائج لتطوير مؤشرات بيولوجية جديدة يمكن أن تساعد الأطباء على تشخيص الاضطراب بدقة أكبر والتمييز بين أنواعه المختلفة وتحديد العلاج الأنسب لكل حالة بناءً على التغيرات الدماغية الخاصة بها.

كما أوصت الدراسة بضرورة إدراج اختبارات الإدراك العصبي ضمن الفحوص الروتينية للمرضى؛ لأنها قد تمثل وسيلة فعالة لاكتشاف التدهور المعرفي في مراحله المبكرة وبالتالي المساهمة في منع تفاقم الأعراض وتحسين جودة الحياة اليومية للمصابين.

العلاج السلوكي المعرفيالعلاج السلوكي المعرفي

أمل جديد في العلاجات المعرفية

تشير النتائج أيضًا إلى أن تحفيز مناطق الدماغ المسؤولة عن التحكم المعرفي والانتباه سواء عبر العلاج السلوكي المعرفي أو عبر تقنيات التحفيز العصبي غير الجراحي، قد يفتح الباب أمام تطوير علاجات موجهة تستهدف تحسين الأداء الذهني والقدرة على التركيز لدى المصابين.

ويؤكد الباحثون أن "الفهم الأعمق للعلاقة بين الدماغ والسلوك الإنساني يقرّبنا من علاج أكثر دقة وإنسانية لاضطرابات المزاج"، مشيرين إلى أن هذه الخطوة تمثل نقطة تحول في فهم تأثير الاكتئاب واضطراباته على الدماغ البشري وتمنح الأمل في تحسين العلاجات المستقبلية التي لا تركز فقط على الأعراض النفسية بل تمتد أيضًا إلى استعادة التوازن المعرفي والوظيفي للدماغ.