في زمن تتزايد فيه الضغوط النفسية والاجتماعية لم تعد العناية الشخصية مجرد مظهر من مظاهر الرفاهية بل أصبحت أداة فعالة لتحسين الحالة النفسية وتعزيز تقدير الذات، فممارسات العناية الشخصية التي تشمل روتيناً يومياً من النظافة والتغذية الجيدة والنوم الكافي والاهتمام بالمظهر الخارجي تلعب دوراً عميقاً في تشكيل صورة الإنسان عن نفسه وتعكس احترامه لذاته واحتياجاته.
تقدير الذات -كما يعرفه علماء النفس- هو تقييم الفرد لذاته من حيث القيمة والاحترام، وكلما زاد شعور الإنسان بقيمته الشخصية زادت قدرته على التفاعل مع الآخرين بإيجابية واتزان، وهنا تبرز أهمية العناية الشخصية كأحد الوسائل اليومية لترسيخ هذا الإحساس بالجدارة.
العلاقة بين العناية الذاتية وتقدير الذات
وجد الباحثون في دراسة نُشرت في The Journal of Counseling Psychology أن الأشخاص الذين يلتزمون بعادات روتينية للعناية بالنفس يميلون إلى امتلاك مستويات أعلى من تقدير الذات مقارنةً بمن يهملون هذه العادات، وأشارت الدراسة إلى أن الأفعال الصغيرة مثل تخصيص وقت للنوم الجيد أو تناول طعام صحي تعكس للذات رسالة ضمنية مفادها: "أنا أستحق العناية والاهتمام" وهي رسالة جوهرية في بناء احترام الذات.
العناية الشخصية ليست مجرد عملية جسدية بل هي فعل نفسي يُعبّر عن إدراك الإنسان لاحتياجاته الجسدية والعاطفية عندما يختار الفرد الاستحمام بعد يوم طويل أو يمارس تمارين رياضية خفيفة أو يستخدم عطراً يفضله فإنه يعيد الاتصال بنفسه ويؤكد على أولوياته الشخصية.
أظهرت دراسة أخرى نُشرت في Personality and Individual Differences أن الممارسات البسيطة المنتظمة مثل ممارسة التأمل أو تخصيص وقت للعناية بالبشرة يمكن أن تحفّز مشاعر الرضا والامتنان وتقلل من النقد الذاتي، وهذا التراجع في النقد الداخلي ما يسمح بتعزيز صورة الذات على نحو إيجابي.
من المفاهيم الخاطئة الشائعة أن الاهتمام بالنفس يعني الانشغال بالذات على حساب الآخرين لكن العكس هو الصحيح فالعناية الذاتية الجيدة تتيح للفرد أن يكون أكثر توازناً وصبراً واستعداداً لدعم من حوله، كما أن التقدير الصحي للذات الناتج عن هذه الممارسات يحمي من الاعتماد المفرط على تقييم الآخرين.
العناية الشخصية ليست أنانية
وفي هذا السياق، تقول الدكتورة كريستين نيف، أستاذة علم النفس بجامعة تكساس، إن العناية الذاتية ليست ترفاً بل ضرورة نفسية، مؤكدة أن من يمنح نفسه وقتًا للرعاية والهدوء هو أكثر قدرة على التعامل مع ضغوط الحياة بثقة ومرونة.
قد لا يحتاج الأمر إلى تغييرات جذرية في نمط الحياة بل إن تبني روتين صباحي بسيط مثل تنظيف الوجه وتناول فطور متوازن أو المشي لبضع دقائق في الهواء الطلق يمكن أن يشكل فارقاً في الشعور الداخلي بقيمة الذات، المفتاح هو الاستمرارية والنية الواعية للاعتناء بالنفس كأولوية لا كواجب.