عادةً ما نبدأ حياتنا المهنية بعد انتهاء دراستنا الجامعية بنشاطٍ وحماس، سعياً لتحقيق الرفاه المادي والاجتماعي والنجاح المهني، لكن هل جال بخاطرك يوماً ما أن نوع عملك الذي تؤديه طوال حياتك قد يؤثر في إدراكك ويصيبك بالخرف؟
قاد المعهد النرويجي للصحة العامة، وجامعة كولومبيا بنيويورك، وجامعة بنسلفانيا الأمريكية بحثاً كجزء من مشروع يُسمى "تغيير الحيوات، تغيير العقول"، بمشاركة 7003 أشخاص يعملون في 305 أنواع من الوظائف، تتراوح أعمارهم بين 30-65 عاماً.
واستخدم الباحثون خلال الدراسة مؤشر كثافة المهام الروتينية الذي يشير انخفاضه إلى أن المهنة تحتاج إلى مشاركة معرفية وإبداع وتحليل استراتيجي. أما ارتفاع المؤشر فيدل على أن الوظيفة لا تتطلب تحفيزاً ذهنياً ومشاركة فكرية.
كما وضعوا في اعتبارهم بعض العوامل كالتعليم ومستوى الدخل وارتفاع ضغط الدم والسمنة والسكري وضعف السمع والشعور بالوحدة وحالة التدخين ومدى النشاط البدني.
وخلال الدراسة التي نُشرت في مجلة "Neurology"، قسم الباحثون المشاركون إلى 4 مجموعات، الأولى داخلها المهن ذات مؤشر كثافة المهام الروتينية المرتفع، وتتضمن المساعدين وعمال النظافة في المكاتب، والثانية ذات المؤشر المتوسط المرتفع وتضم مندوبي المبيعات في المتاجر، وغيرهم من موظفي مبيعات التجزئة.
وبالنسبة إلى العاملين في مجال رعاية الأطفال والممرضات فقد كانوا ضمن مؤشر كثافة المهام الروتينية المتوسط المنخفض، والمجموعة الأولى تضم المتخصصين في التدريس بالمؤشر المنخفض الذي يشير إلى التحفيز الذهني الكبير في هذه الوظيفة.
ولاحظ الباحثون أن 42% من الأشخاص بمؤشر كثافة المهام المرتفع شُخصوا بضعف إدراكي في سن 70 عاماً مقارنةً بـ27% في مؤشر كثافة المهام المنخفض.
وكشفت المؤلفة الأولى للدراسة، ترين هولت إدوين، أن الدراسة تتوافق مع أدلة حصلوا عليها من دراسات مراقبة أوروبية سابقة أظهرت أن انخفاض المتطلبات المعرفية المهنية يرتبط بارتفاع خطر الإصابة بالضعف الإدراكي، حسب "Medical News Today".
كما قال الباحثون إن الأشخاص الذين تكون وظائفهم محفزة للذهن في الثلاثينيات والأربعينيات والخمسينيات وحتى الستينيات من العمر، يقل لديهم خطر الإصابة بالضعف الإدراكي.
وأضافت "إدوين" أن اكتساب القدرات المعرفية من التعليم والحياة المهنية بمراحل مبكرة يوفر مرونة للدماغ، تقلل التدهور المعرفي المرتبط بكبر السن.
ومن وجهة نظر سنوري بيورن رافنسون رئيس قسم دراسات الشيخوخة والخرف بجامعة غرب لندن، فإن الانخراط في النشاط الفيزيولوجي العصبي المرتبط بتجارب التعلم الجديدة والصعبة يحفز الخلايا العصبية الجديدة على البقاء على قيد الحياة، والحفاظ على سلامة الدماغ، لكن عدم تحفيز الذهن لفترات طويلة يؤدي إلى مشكلات معرفية، كما يؤثر العيش في عزلة اجتماعية وقلة التفاعل الاجتماعي سلباً في التطور المعرفي بمرحلة البلوغ.
وقد يشعر بعض الأشخاص بالقلق بعد قراءة هذه الدراسة إذا كانوا لا يعملون في وظائف تتطلب تحفيزاً عقلياً، لكن يرى "رافنسون" أن هناك طرقاً أخرى للحفاظ على صحة الدماغ، ومنع التدهور المعرفي من خلال الحصول على هوايات محفزة للدماغ، والانخراط في المجتمع، وممارسة الرياضة.