يبدو أن مقولة "العمر مجرد رقم" لم تعد كافية لتفسير ما يحدث داخل أجسامنا وتحديداً في أدمغتنا، إذ توصلت دراسة جديدة نُشرت في 9 يوليو الجاري بمجلة Nature Medicine إلى أن الأشخاص الذين يمتلكون "أدمغة شابة"، أي أن أدمغتهم تتقدم في العمر بوتيرة أبطأ من أعمارهم الفعلية، تقل لديهم بشكل كبير احتمالات الوفاة المبكرة أو الإصابة بمرض الزهايمر مقارنةً بأولئك الذين يعانون من شيخوخة دماغية متسارعة.
أشارت النتائج إلى أن وجود دماغ "شديد التقدّم في العمر" يزيد من خطر الوفاة خلال فترة تقارب 15 عاماً بمقدار 3 أضعاف، في المقابل فإن الأشخاص الذين لديهم أدمغة "شابة جداً" تقل لديهم احتمالات الوفاة المبكرة بنسبة 40%.
ويعلق الباحث الرئيسي توني ويس-كوراي، مدير مبادرة Knight Initiative for Brain Resilience في Stanford Medicine: "الدماغ هو بوابة طول العمر إذا كان دماغك مسناً فإن احتمال وفاتك يرتفع أما إذا كان دماغك شاباً فمن المرجّح أن تعيش فترة أطول".
العلاقة بين العمر البيولوجي للدماغ وطول العمر
لطالما أظهرت الأبحاث السابقة أن الجسم يمكن أن يتقدم في العمر بيولوجياً أسرع من عمر الإنسان حسب تاريخ ميلاده، فالعمر البيولوجي يعكس تأثير العوامل البيئية والوراثية ونمط الحياة على وظائف الجسم وقد يكون أعلى أو أقل من العمر الزمني الفعلي.
وفي هذه الدراسة، حلّل الباحثون عينات دم من حوالي 44,500 شخص تتراوح أعمارهم بين 40 و70 عاماً ضمن مشروع UK Biobank وهو مشروع بحثي كبير في المملكة المتحدة.
واستخدم الباحثون البروتينات الموجودة في عينات الدم لتقدير العمر البيولوجي لـ11 عضواً أو جهازاً حيوياً مختلفاً لدى كل مشارك بما في ذلك الدماغ.
وتبيّن أن ما بين 6% و7% من المشاركين لديهم أدمغة "شابة جداً" وهي أدمغة تتقدم في السن أبطأ بكثير من المعتاد، بينما كانت النسبة ذاتها تقريباً لأشخاص لديهم أدمغة "متقدمة جداً في العمر".
قياس عمر الأعضاء البيولوجي عبر تحليل الدم
وجد الباحثون أن أي زيادة في العمر البيولوجي لأي عضو تزيد من احتمالية الإصابة بأمراض متعلقة بذلك العضو، على سبيل المثال القلب المتقدم في العمر يزيد خطر الإصابة باضطراب نظم القلب أو فشل القلب بينما الرئة المسنّة ترتبط بارتفاع خطر الإصابة بمرض الانسداد الرئوي المزمن (COPD).
لكن العلاقة بين الدماغ المتقدّم في العمر ومرض الزهايمر كانت الأقوى، فقد أظهرت النتائج أن الأشخاص الذين لديهم أدمغة "شديدة الشيخوخة" كانوا أكثر عرضة للإصابة بالزهايمر بأكثر من 3 أضعاف مقارنةً بمن لديهم أدمغة تتقدم بالعمر بشكل طبيعي.
وعلى الجانب الآخر، فإن الأشخاص الذين لديهم أدمغة "شابة جداً" كانوا أقل عرضة بنسبة 75% للإصابة بالزهايمر، مقارنةً بمن لديهم أدمغة تتقدم في العمر بوتيرة طبيعية.
ويعني ذلك أن الشخص الذي يمتلك دماغاً بيولوجياً مسناً يكون أكثر احتمالًا للإصابة بالزهايمر بحوالي 12 مرة من شخص آخر في نفس العمر الزمني لكن بدماغ بيولوجي شاب.
الدماغ الأكثر تأثيراً
يرى الباحث ويس-كوراي أن هذه النتائج تفتح الباب أمام طرق جديدة لتقييم خطر الإصابة بالأمراض من خلال قياس عمر الأعضاء بيولوجياً عبر اختبارات دم بسيطة.
كما أشار إلى إمكانية استخدام أدوية معتمدة بالفعل لمحاولة استعادة شباب الأعضاء قبل أن تبدأ أعراض الأمراض بالظهور في خطوة يعتبرها تحولًا من طب معالجة المرض إلى طب الوقاية.
ويعمل الباحثون حالياً على تسويق اختبار الدم الذي يعتمد عليه هذا النوع من التحليل ويأملون أن يُطرح تجارياً خلال السنوات القليلة المقبلة مع التركيز على الأعضاء الأكثر أهمية مثل الدماغ والقلب والجهاز المناعي لتقليل التكلفة وتحقيق دقة أعلى في الكشف المبكر عن الأمراض.