أصبح التأمل الذهني (Mindfulness) من أبرز الأدوات الحديثة لدعم الصحة النفسية ويعتمد على التركيز الواعي في اللحظة الحاضرة دون إصدار أحكام، ومع انتشار التطبيقات الرقمية بات من الممكن الوصول إلى هذا النوع من الممارسات بسهولة أكبر خصوصًا للفئات التي تواجه صعوبات في حضور الجلسات العلاجية التقليدية مثل البالغين المصابين بالتوحّد.
التوحّد هو اضطراب نمائي عصبي يؤثر في التواصل الاجتماعي والسلوك ويصيب نحو 1% من السكان حول العالم، وتشير الدراسات إلى أن نسبة تتراوح بين 20% و65% من البالغين المصابين بالتوحّد يعانون من اضطرابات القلق بدرجات متفاوتة ما يجعل البحث عن استراتيجيات فعّالة لإدارة القلق والإجهاد أمرًا ضروريًا.
اضطراب القلق لدى المصابين بالتوحد
أثبت التأمل الذهني الذي ظهر في برامج علاجية مثل Mindfulness-Based Stress Reduction، فعاليته في تقليل القلق والتوتر لدى فئات متعددة بل واعتُبر في بعض الأبحاث مساويًا في الفاعلية للعلاج السلوكي المعرفي (CBT)، وقد أظهرت مراجعات علمية أن التدخلات القائمة على التأمل الذهني تساعد على خفض مستويات القلق وتحسين الرفاه العام.
وتشير دراسات أُجريت على البالغين المصابين بالتوحّد إلى أن جلسات التأمل الجماعية وجهاً لوجه أسهمت في تحسين الحالة المزاجية وتقليل أعراض القلق والاكتئاب، بالإضافة إلى تعزيز القدرة على تنظيم المشاعر إلا أن محدودية الوصول إلى الجلسات الحضورية دفعت الباحثين إلى اختبار فاعلية النسخ الرقمية من هذه البرامج.
تطبيق للتأمل عبر الهاتف
في تجربة حديثة نُشرت في مجلة Journal of Autism and Developmental Disorders شارك 89 شخصًا بالغًا مصابًا بالتوحّد في تجربة عشوائية استمرت 6 أسابيع، استخدم المشاركون تطبيقًا خاصًا يُدعى Healthy Minds Program صُمّم لتقديم دروس وممارسات تأملية قصيرة تركز على أربعة محاور: الوعي والتواصل والبصيرة والغاية.
تم تقسيم المشاركين إلى مجموعتين: مجموعة تلقت التدخل عبر التطبيق وأخرى انتظرت لمدة 6 أسابيع قبل أن تستخدم البرنامج نفسه، خضع الجميع لقياسات دورية لمستويات القلق والإجهاد والتأثيرات الإيجابية والسلبية واليقظة الذهنية.
أظهرت النتائج أن المجموعة التي استخدمت التطبيق سجلت انخفاضًا واضحًا في أعراض القلق والإجهاد مقارنةً بالمجموعة الأخرى مع تأثيرات متوسطة إلى كبيرة الحجم، كما ارتفعت مستويات الوعي الذاتي والهدوء الداخلي وتراجعت المشاعر السلبية بشكل ملحوظ.
واللافت أن هذه الفوائد استمرّت حتى بعد 6 أسابيع من انتهاء البرنامج ما يشير إلى استدامة التأثير الإيجابي.
وعند تطبيق نفس البرنامج على المجموعة الثانية بعد انتهاء فترة الانتظار تكرّرت النتائج ذاتها تقريبًا مما يعزز مصداقية فعالية التدخل.
تشير هذه النتائج إلى أن التأمل عبر تطبيقات الهواتف الذكية يمكن أن يكون وسيلة فعالة وميسّرة لدعم البالغين المصابين بالتوحّد خاصة في ظل الصعوبات التي يواجهونها للوصول إلى الرعاية النفسية التقليدية، كما تفتح هذه النتائج الباب أمام تطوير برامج رقمية مخصّصة تراعي احتياجاتهم الفردية وتوفر بدائل مرنة ومنخفضة التكلفة للعلاج النفسي التقليدي.