ما سبب معاناة بعض مرضى الزهايمر وباركنسون من فرط النشاط الجنسي؟

قد لا يبدو فرط النشاط الجنسي المرتبط بالخرف "Hypersexuality in Dementia" مصطلحًا مألوفًا لكنه يصف واحدة من أكثر الظواهر العصبية تعقيدًا وإرباكًا للأطباء والأسر على حد سواء، فبينما يُنظر إلى السلوك الجنسي المفرط عادةً كتصرف اجتماعي غير مقبول تكشف الأبحاث الحديثة أنه في بعض الحالات ليس خيارًا إراديًا بل عرضًا ناتجًا عن اضطرابات في الدماغ تحديدًا في المناطق المسؤولة عن التحكم الذاتي والكبح السلوكي.

وتشير مراجعة منهجية نُشرت في مجلة BMJ Mental Health عام 2024 إلى أن هذه الحالة قد تكون مؤشرًا مبكرًا على ما يُعرف بـ"فقدان الكبح الجبهي" (Frontal Disinhibition) وهو تلف يصيب الفص الجبهي للدماغ فيؤدي إلى اندفاعات غير معتادة وسلوكيات تتعارض مع الشخصية السابقة للمريض.

الخرفالخرف اضطراب معقد

فرط النشاط الجنسي اضطراب معقد لا يزال غامضًا

يشير مصطلح فرط النشاط الجنسي إلى حالة معقدة وغير مفهومة بالكامل تتميز بتكرار الأفكار والرغبات والسلوكيات الجنسية بشكل مفرط، فيؤدي إلى اضطراب الحياة الشخصية والاجتماعية والعملية للمريض، وهذا الاضطراب لا يُعدّ مجرد سلوك غير منضبط بل عرض عصبي يمكن أن يصاحب أمراضًا مثل الزهايمر ومرض باركنسون وإصابات الدماغ.

ورغم أن السلوكيات الجنسية غير الطبيعية معروفة منذ عقود، فإن البحث العلمي في هذا المجال ظل محدودًا مقارنةً بالاضطرابات النفسية الأخرى، فتعقيد السلوك الجنسي البشري الذي يتداخل فيه البيولوجي مع النفسي والاجتماعي والثقافي يجعل من الصعب وضع تعريفات دقيقة أو معايير تشخيصية موحدة لهذه الحالة.

التصنيف الطبي والاضطراب العصبي

حتى الآن، لا يُصنف فرط النشاط الجنسي كتشخيص مستقل بل يُدرج ضمن اضطرابات التحكم في الاندفاع.

 في المقابل أدرجت منظمة الصحة العالمية في تصنيفها الجديد ICD-11 تشخيصًا تحت اسم "اضطراب السلوك الجنسي القهري" (Compulsive Sexual Behavior Disorder) يتميز بعدم قدرة الفرد على ضبط الرغبات أو السلوكيات الجنسية المتكررة ما يؤدي إلى معاناة شخصية واجتماعية واضحة.

ويشير الباحثون إلى أن المصطلحات المستخدمة لوصف هذه الظاهرة تختلف من "السلوك الجنسي غير المنضبط" إلى "الإدمان الجنسي" ما يخلق تباينًا كبيرًا في فهم الحالة وتشخيصها.

الخرفأعراض  فرط النشاط الجنسي بسبب الخرف

كيف يظهر الاضطراب؟

أظهرت الدراسات أن فرط النشاط الجنسي يمكن أن يأخذ أشكالًا متعددة مثل الإفراط في الاستمناء أو البحث المفرط عن المواد الإباحية أو الدخول في علاقات متكررة وغير آمنة، وهذه السلوكيات لا تعبّر دائمًا عن رغبة واعية.

وتشير الأبحاث العصبية إلى أن اضطراب الدوبامين، وهو الناقل العصبي المرتبط بنظام المكافأة في الدماغ، قد يلعب دورًا مشابهًا لما يحدث في حالات الإدمان، كما وُجد أن بعض المرضى يستخدمون النشاط الجنسي كوسيلة للهروب من القلق أو الاكتئاب ما يجعل الحالة أكثر تعقيدًا من مجرد "اندفاع جنسي".

مراجعة علمية موسعة

اعتمدت المراجعة المنشورة في BMJ Mental Health على تحليل شامل لـ79 دراسة تناولت الظاهرة عبر اضطرابات عصبية مختلفة، وشملت قاعدة البيانات أبحاثًا من فترات تمتد بين عامي 1974 و2023، تم جمعها من قواعد مثل Embase وMEDLINE وPsycINFO.

وركّزت النتائج على تحديد معدل انتشار فرط النشاط الجنسي وأشكاله السريرية والعوامل المسببة له، وأظهرت المراجعة أن الظاهرة أكثر شيوعًا بين الرجال خصوصًا في حالات خرف الفص الجبهي ومرضى باركنسون الذين يتلقون علاجًا منبهًا للدوبامين، كما ربطت بعض الدراسات بين هذه السلوكيات وبين استخدام أدوية معينة أو تلف مناطق الدماغ المسؤولة عن التحكم الذاتي.