غيَّر عصر البث المباشر كل شيء فيما يتعلق بالطريقة التي تشاهد بها التلفزيون، ولم تعد مضطراً إلى انتظار حلقة جديدة من برنامجك المفضل، بل يوجد الآن العديد من المنصات التي تطلق سلسلة كاملة من المسلسلات والبرامج في وقتٍ واحد؛ ما آل إلى ظهور مفهوم جديد يُعرف باسم "الشراهة في المشاهدة".
وبالرغم من أن التطور وتنوع الخيارات لمشاهدة الأفلام والمسلسلات التي تحبها أمر رائع، فإن خبراء الصحة يحذرون من استبدال الوقت الذي تقضيه في ممارسة الرياضة والتواصل الاجتماعي والنوم، بمشاهدة مزيد من الحلقات، نقلاً عن "Verywellhealth".
ربما تعتقد أنك تقضي وقتاً ممتعاً أمام مسلسلك أو فيلمك المفضل، لكن الإفراط ينتج عنه العديد من المخاطر الصحية الضارة، بما في ذلك الاكتئاب والإدمان السلوكي وأمراض القلب والأوعية الدموية؛ حيث أوضح استطلاع للرأي أُجري بالولايات المتحدة الأمريكية عام 2018 أن 60% من البالغين الأمريكيين الذين يستخدمون خدمات البث يسرفون في المشاهدة، كما ارتفعت النسب المئوية لدى الجماهير الأصغر سناً في العام ذاته؛ حيث إن 73% من الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عاماً، يعانون من شراهة المشاهدة، وتزداد معدلات المشاهدة أسبوعياً.
ولفحص الأمر بشكل أكثر دقةً، أجرى باحثون من جامعة ولاية أريزونا الأمريكية دراسة في عام 2020، لمعرفة العواقب الصحية للإفراط في المشاهدة بشكل دقيق، ونُشرت نتائج دراستهم في مجلة "BMC Public Health".
وأرسل الباحثون استطلاعاً مكوناً من 18 سؤالاً إلى 926 بالغاً من الولايات المتحدة الأمريكية، لديهم أكثر من تليفزيون لبث البرامج التي تُذاع على المنصات الإلكترونية؛ لمعرفة مقدار الوقت الذي يقضيه الأشخاص على أجهزتهم، وكيف تبدو وجباتهم الغذائية، ومقدار النوم الذي يحصلون عليه، إضافةً إلى مقدار الضغط الذي يتعرضون له يومياً، ونشاطهم البدني.
وكانت النتائج صادمة؛ حيث تبين أنهم يقضون 17.5 ساعة يومياً في مشاهدة المسلسلات، ويتبعون نظاماً غذائياً غير صحي، ويعانون من مشاكل صحية متعددة، وخلص الباحثون إلى أن النظام الغذائي السيئ والعواقب الصحية السلبية الناجمة عن فرط المشاهدة تظهر بشكل جلي مع الوقت.
تزيد شراهة المشاهدة فرص التعرض لمشاكل في النوم وانخفاض النشاط البدني، والشعور الدائم بالتعب، إضافةً إلى الإصابة بجلطات الدم ومشاكل القلب وسوء التغذية، والعزلة الاجتماعية، والإدمان السلوكي، والتدهور المعرفي.
وفقاً للمعاهد الوطنية الأمريكية للصحة (NIH)، يرتبط نمط الحياة الخامل بالعديد من النتائج الصحية السيئة؛ لأن البقاء أمام التلفزيون يجعلك تتناول كميات أكثر من الطعام؛ ما يعرضك للإصابة بأمراض القلب والسكري وارتفاع ضغط الدم وهشاشة العظام والسكتات الدماغية وزيادة الوزن المفرطة واضطرابات المزاج مثل القلق والتوتر.
يلعب النوم دوراً مهماً في صحتك العقلية والجسدية، كما أنه يمدك بالطاقة التي تجعلك أكثر نشاطاً لإنجاز أعمالك اليومية. ووفقاً للمعهد الوطني للقلب والرئة والدم (NHLBI)، ينظر البعض إلى النوم على أنه رفاهية بسبب ضغوط الحياة، لكنه يعزز وظائف الدماغ، ويحافظ على الصحة البدنية، ويحسن من النوم والتطور الصحي لدى الأطفال والمراهقين.
وفقاً لجمعية القلب الأمريكية (AHA)، فإن قضاء 4 ساعات أو أكثر يومياً في مشاهدة التلفزيون بشكل منتظم يمكن أن يزيد خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية أو الوفاة المبكرة بنسبة 50%.
يمكن اعتبار الشراهة في المشاهدة إدماناً سلوكياً؛ حيث يشير الإدمان السلوكي إلى الاعتماد على سلوك معين والاستمرار في ممارسته دون توقف، ويمكن أن يشمل الإدمان السلوكي أي شيء بدءاً من المقامرة حتى ألعاب الفيديو، والإفراط في المشاهدة.
إذا كنت تقضي ساعات طويلة في المشاهدة، فعليك التفكير في التأثير الذي قد يحدثه ذلك على صحة دماغك؛ حيث تشير دراسة أمريكية نُشِرت عام 2019 في مجلة "Scientific Reports" إلى أن الإفراط في المشاهدة يمكن أن يؤدي إلى تدهور إدراكي في المستقبل.
استخدم الباحثون بيانات من 3000 شخص أمريكي بالغ فوق سن 50 عاماً؛ حيث كانوا يشاهدون التلفزيون أكثر من 3.5 ساعات يومياً، وأوضحت النتائج أن مشاهدة هذا القدر يرتبط بضعف الذاكرة اللفظية بعد 6 سنوات من المشاهدة؛ لذا يُنصح بمشاهدة التلفزيون أقل من ساعتين يومياً.