يُعدّ الحديد من العناصر الحيوية في جسم الإنسان إذ يشارك في نقل الأكسجين وتوليد الطاقة وتنشيط الإنزيمات داخل الخلايا، وخلال فترة الحمل يزداد احتياج الأم إلى الحديد بشكل كبير نتيجة تمدد حجم الدم و نمو الجنين ما يجعل حتى النساء الأصحاء عُرضة لنقص الحديد.
وعند إصابة الحامل بنقص الحديد، فلا يقتصر الأمر على شعور المرأة بالإرهاق أو إصابتها بالأنيميا بل يمتد تأثيره إلى دماغ الجنين، مسببًا تغيرات قد تترك أثرًا طويل الأمد على قدراته العصبية والمعرفية.
توضح دراسة نُشرت في مجلة The American Journal of Obstetrics and Gynecology، سبتمبر 2024، أن نقص الحديد في دم الجنين يؤدي إلى ضعف نمو الدماغ وتراجع في بعض العمليات الحيوية مثل تكوين النواقل العصبية والتمايز الخلوي وتكوين الميالين المسؤول عن سرعة نقل الإشارات العصبية.
ويُعدّ المخ وبخاصة منطقة الحُصين (الهيبوكامبوس) أكثر الأعضاء تأثرًا إذ يستهلك نحو 60% من إجمالي الأكسجين الذي يحصل عليه الجنين ويُعرف بدوره الحيوي في الذاكرة والتعلّم.
كما بيّنت الدراسة أن الأطفال الذين وُلدوا لأمهات عانين من نقص الحديد أثناء الحمل أظهروا ضعفًا في الذاكرة البصرية والتمييز بين الأصوات إضافة إلى بطء في سرعة معالجة المعلومات وهي تأثيرات تستمر حتى بعد تصحيح نقص الحديد بعد الولادة.
 نقص الحديد أثناء الحمل وتأثيره على الجنين
نقص الحديد أثناء الحمل وتأثيره على الجنين
إلى جانب فقر الدم هناك حالات تزيد من احتمالية حدوث نقص الحديد لدى الجنين منها ارتفاع ضغط الدم أثناء الحمل والتدخين وسكري الحمل وحالات الحمل بتوأم، كما أن انخفاض تركيز مادة "الفيريتين" في دم الحبل السري يُعدّ مؤشرًا واضحًا على تراجع مخزون الحديد لدى الجنين وهو ما يرفع خطر الإصابة بمشكلات في الإدراك والسلوك في مراحل الطفولة.
 تأثير نقص الحديد يمتد إلى الطفولة
تأثير نقص الحديد يمتد إلى الطفولة
أشارت النتائج إلى أن الأطفال الذين يعانون من نقص الحديد في المرحلة الجنينية يظلون أكثر عرضة للإصابة باضطرابات في الانتباه وضعف في المهارات الحركية والاجتماعية خلال الطفولة بل وقد يزداد خطر إصابتهم لاحقًا باضطرابات القلق والاكتئاب.
وترجّح الدراسة أن نقص الحديد في مراحل النمو الأولى قد يؤدي إلى تغيّرات تؤثر على التعبير الجيني للدماغ وهو ما يفسّر استمرار الاضطرابات العصبية حتى بعد تحسين النظام الغذائي لاحقًا.
يوصي الباحثون بضرورة إدراج فحوص الحديد ضمن المتابعة الدورية للحمل وعدم الاعتماد فقط على تحليل الهيموجلوبين إذ إن فقر الدم يظهر في مراحل متأخرة من نقص الحديد، كما يشددون على أهمية مكملات الحديد والحمية الغنية بالعناصر الداعمة مثل فيتامين C لتعزيز الامتصاص معتبرين أن دعم صحة الأم هو استثمار مباشر في صحة دماغ الجيل القادم.