مرض غامض يُطلق عليه "متلازمة الإيماء بالرأس" أو "متلازمة الإنغاض" يتسبب في نوبات خفية وتشنجات للأطفال تنتهي بفقدان الوعي، وأحياناً الوفاة، ما قصته؟
ظهرت متلازمة الإيماء بالرأس للمرة الأولى خلال الستينيات في تنزانيا، ثم انتشرت في جنوب السودان بالتسعينيات، تلاهما أوغندا في عام 2007، ومنها انتقلت إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية، وجمهورية إفريقيا الوسطى والكاميرون، خلال السنوات الـ5 الماضية.
تواجه ولاية غرب الاستوائية بجنوب السودان أكبر معدل انتشار لـ"متلازمة الإيماء أو الانغاض"، حيث سجلت الصحة 6000 حالة في المرافق الصحية بـ4 مقاطعات، وكشف ستيفن جادا، طبيب وباحث في منظمة "Amref Health Africa" للإغاثة عن وجود حالات جديدة بمقاطعات أخرى.
وتعد مقاطعة "مفولو" نقطة ساخنة للمرض، حيث يوجد بها 3000 حالة، لكن المشكلة أن القرى النائية لا تستطيع الحصول على الأدوية المضادة للصرع الذي يعد من أبرز أعراض المتلازمة، التي تصيب الأطفال في عمر 3 سنوات فيما فوق، وتستمر حتى البلوغ.
سبب الإصابة بمتلازمة الإيماء بالرأس ما زال غير معروف حتى الآن، وكذلك لم يتم التوصل إلى علاج محدد للمرض، لذلك في حالة عدم توافر أدوية الصرع تتفاقم الحالات، حيث تحدث مضاعفات طويلة المدى مثل تلف الدماغ وتوقف النمو والضعف العقلي، وتزيد الوفيات.
إضافةً إلى الآلام التي يعاني منها الأطفال والمراهقين إثر إصابتهم بمتلازمة الإيماء، تلاحقهم أيضاً وصمة مجتمعية نتيجة عدم فهم سبب حدوثها وكيفية انتقالها، حيث أوضحت صوفيا محمد، مديرة جنوب السودان لإحدى الجمعيات الخيرية، أن الأطفال يتناولون الطعام معاً في المدارس، وغالباً ما يطالب الأطفال الأصحاء بإبعاد المصابين عنهم سواء عند تناول الطعام أو خلال تلقي الدروس، ما يؤثر سلباً في نفسية المرضى الصغار.
الوصمة تلاحق الأطفال المصابين بمتلازمة الإيماء
من بين التكهنات التي أشار إليها الباحثون، وجود صلة بين "متلازمة الإيماء أو الإنغاض" والتعرض للدغات الذبابة السوداء التي تسبب عدوى "داء كلابية الذنب أو العمى النهري"، وهو مرض طفيلي تسببه الدودة الطفيلية الخيطية المسماه بـ"كلابية الذنب المتلوية"، حيث ينتقل المرض بالتعرض المتكرر للدغ من الذبابة السوداء الحاملة للعدوى، ويصيب الجلد والعين.
وتتكاثر الذبابة السوداء في الأنهار والمجاري المائية سريعة الجريان والقريبة من القرى النائية، لذا تتواجد بكثرة على طول نهر "مفولو" بجنوب السودان.
ولاحظ "جادا" خلال الدراسة التي يجريها، أن المجتمعات التي تعيش بالقرب من الأنهار حيث ينتشر "داء كلابية الذنب" يزيد فيها حالات الصرع و"متلازمة الإيماء أو الإنغاض"، وبالنسبة للقرى التي لا تتواجد فيها أنهار فحالات الإصابة بها تكون معدومة.
موضوعات متعلقة: كيف تؤثر الحروب في صحة الأطفال؟
كما أنه أجرى اختبارات لمعرفة ما إذا كانت الطفيليات تصل للدماغ أو تفرز مادة سامة، لكن النتائج فشلت ولازالت الدراسة مستمرة.
ورغم ظهور عدة نظريات أخرى لتفسير حالات "متلازمة الإيماء أو الإنغاض" تنوعت بين نقص التغذية وتناول طعام فاسد واستخدام الأسلحة الكيميائية، إلا أنه يتم التوصل لنتائج حاسمة، لذلك يركز الباحثون الآن على آثار الذبابة السوداء، وتشن السلطات الصحية حملات لعلاج "داء كلابية الذنب" باستخدام دواء مضاد للطفيليات مرتين في العام.