من العدم ظهر فيروس كورونا أو ما عرف بجائحة كوفيد-19 ليغزو العالم، ويحبس الأنفاس، ويثير الفزع بين البشر، وهنا بدأت رحلة البحث عن حلول سريعة، وانطلق علماء وباحثون في رحلة يسابقون فيها الزمن بحثاً عن لقاح أو تطعيم للحد من آثار الفيروس الذي يهاجم البشر وقد يتسبب في وفاتهم.
لقاح أسترازينيكا كان من بين الجيل الأول للقاحات التي ظهرت وحصلت على ترخيص سريع من الهيئات الدوائية حول العالم، وبدأ الناس يتسابقون للحصول عليه، ولكن بعد مرور سنوات قليلة، ظهرت نتائج صادمة للجميع كاشفة عن آثار جانبية خطيرة للقاح قد تؤدي إلى الوفاة أحيانا، لتبدأ رحلة الهجوم على الشركة والمطالبة بتعويضات.
خاصةً وأن شركة أسترازينيكا أقرت بأن لقاحها يمكن أن يسبب آثاراً جانبية نادرة، لكن هذا زاد من مخاوف من تلقوا اللقاح ولم يبدد مخاوفهم، بل أثار موجة هلع وصلت إلى اعتقاد بعضهم بأن حياتهم مهددة، وهو ما جعلنا في بوابة صحة ننطلق في رحلة للبحث عن إجابات لبعض الأسئلة المطروحة عن لقاح أسترازينيكا.
لقاح كورونا
البداية كانت مع أ.د أحمد بشير، استشاري الصدر والحساسية الذي قال لــ بوابة صحة، إن المدة التي يتطلبها تصنيع أي لقاح يمكنها أحياناً أن تتخطى عدة عقود، ولكن نظراً للفترة الحرجة التي كان يعيش فيها العالم مع جائحة كوفيد-19، ومن أجل الضرورة الملحة والأوضاع الطارئة وفي محاولة لإنقاذ البشر، تم إطلاق اللقاحات بما في ذلك لقاح أسترازينيكا خلال فترة قياسية، ما أثار العديد من علامات الاستفهام حول أمان وفاعلية تلك اللقاحات فيما بعد.
وبالنسبة للمخاطر التي تظهر بعد الحصول على لقاح أسترازينيكا، أوضح "بشير" أنه يوجد بالفعل حالات عانت من مشاكل صحية ولكن غير مؤكد أنها بسبب اللقاح، على سبيل المثال هناك من تعرضوا لمشاكل مناعية، وأمراض الروماتويد وأمراض الذئبة الحمراء، وأمراض الأعصاب، لكن لا يمكن ربطها باللقاحات بشكل مؤكد.
أما عن المدة المحتملة لظهور الأعراض، أوضح وجود أعراض تظهر فور تلقي اللقاح مثل المشاكل المناعية، وأعراض أخرى تظهر بعد فترة طويلة، ولكن يتم تأكيد الأمر، من خلال الأبحاث التي تُجرى حالياً من أجل متابعة الأشخاص الذين تلقوا اللقاح، لافتاً إلى أن الأشخاص الذين يعانون من مشاكل مناعية، أو لديهم خلل مناعي من الفئات الأكثر عرضة لتلك الآثار الجانبية.
وأكد "بشير" أن التحاليل تساعد بشكل كبير للاطمئنان بعد أخذ لقاح أسترازينيكا أو أي نوع من اللقاحات بشكل عام، لذا نصح بضرورة الخضوع لبعض الاختبارات والتحاليل مثل صورة الدم الكاملة وتحليل الخلايا المناعية، وتحليل وظائف الكبد والكلى.
واختتم بشير حديثه لـ بوابة صحة حول فاعلية اللقاح، بالقول إن هناك أشخاص لم تتلقَ اللقاح، ولم تتعرض للإصابة، بينما هناك من أخذوا الجرعات، وأصيبوا بفيروس كورونا، وآخرون أخذوا اللقاح وكانت الإصابة خفيفة، لذا مازال هناك العديد من علامات الاستفهام حول هذه اللقاحات.
وفي ذات السياق اكتشف باحثون من الشبكة العالمية لبيانات اللقاحات لاثنين من الآثار الجانبية النادرة للغاية للقاح "أسترازينيكا" المضاد لفيروس كورونا، وهما التهابان في الدماغ والنخاع الشوكي، وذلك بحسب دراسة منشورة في مجلة "Vaccine".
تلك الدراسة التي تعد الأكبر على الإطلاق من بين دراسات سلامة اللقاحات، حيث شملت أكثر من 99 مليون مريض في عدة دول من بينها أستراليا، الأرجنتين، كندا، الدنمارك، فنلندا، فرنسا، نيوزيلندا، واسكتلندا، وأكدت أن المضاعفات المرتبطة باللقاحات نادرة وأن فوائدها مازالت تفوق مخاطرها بفارق كبير.
جرعة معززة من لقاح أسترازينيكا
من جانبه قال الطبيب العام د. محمود علاء لـ بوابة صحة إن لقاح أسترازينيكا يتميز بفاعلية كبيرة نسبياً فيما يتعلق بالحماية من فيروس كورونا، لكن لا يوجد في الطب دواءً خالياً تماماً من الآثار الجانبية، معتبراً فوائد لقاح أسترازينيكا أكثر من أضراره.
وبالنسبة للمخاطر المكتشفة أكد أنها متعارف عليها في الأبحاث العلمية باسم TTS "تجلط الدم مع متلازمة نقص الصفائح الدموية" وهي حالة تتسبب في التعرض لجلطات بأجزاء مختلفة في الجسم، يصاحبها نقص في الصفائح الدموية، موضحاً أنه وفقاً للدراسات ظهرت هذه الأعراض الجانبية بعد تلقي الجرعة الأولى من لقاح أسترازينيكا بمدد تراوحت بين 4 إلى 42 يوماً، ولكن لم تتزايد الحالات بشكل كبير بعد ذلك، خاصةً بعد تلقي الجرعة الثانية.
وأضاف أن الفئات الأكثر عرضة للإصابة بآثار جانبية بعد تلقي أسترازينيكا هم الأقل من 60 عاماً، متابعاً أن نسبة حدوث العرض هو 2 إلى 3 لكل 100 ألف فرد تلقى اللقاح، وتزيد الأعراض للسيدات الأقل من 60 عاماً.
وأوضح علاء أن مُتلقي لقاح أسترازينيكا ليسوا بحاجة إلى إجراء تحاليل دم، لأن الأعراض تظهر غالباً في أول شهر بعد الجرعة الأولى، ولكن إذا ظهرت أعراض بعد الجرعة الأولى تتمثل في تجلط أو صداع أو زغللة في العين، يخضع الشخص لتحليل صورة دم كاملة CBC وD-Dimer Test للتجلط وهو تحليل يُستخدم لتشخيص الحالات المرضية المرتبطة بتجلط الدم.
وبالنسبة لفاعلية لقاح أسترازينيكا، أشار "علاء" إلى تسبب اللقاح في وفاة نحو 80 حالة في بريطانيا بسبب العرض الجانبي، فيما ساهم في حماية حوالي 6 ملايين شخص تلقوا اللقاح خلال العام الأول، خاصةً كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة، الذين كانوا الأكثر عرضة للإصابة والوفاة.
وتسهم اللقاحات في إنقاذ ملايين الأرواح كل عام وفقاً لتقارير يونيسيف التي تعتبر لقاحات كوفيد-19 آمنة وفعالة، وتقدم حماية قوية ضد الأعراض الشديدة التي تصل أحيانا إلى الوفاة، ومن جهتها أفادت منظمة الصحة العالمية أن الأشخاص الذين لم يتلقوا اللقاح يواجهون خطر الوفاة من جراء كوفيد-19 بمعدل يفوق بعشرة أضعاف مقارنة بالأفراد الذين تم تطعيمهم.
من القاهرة إلى بيروت بحثت بوابة صحة عن المزيد من الإجابات، وسألت د. شيرين ملائي طالب، أخصائية الأمراض الصدرية والعناية المشددة، التي أكدت أنه لم يتم إثبات أي آثار جانبية للقاح أسترازينيكا، لكن بعض الدراسات ربطت اللقاح بجلطات الدم بعد وقت قصير من الحصول عليه، لافتةً إلى أن السيدات الأقل من 60 عاماً هن الأكثر عرضة للآثار الجانبية بعد أخذ جرعات لقاح أسترازينيكا، ولا يلزم إجراء اختبارات دم معينة.
اختبارات معملية للقاح أسترازينيكا
وبجانب الآثار الجانبية للقاح أسترازينيكا، بحثنا عن المزيد من الإجابات بعيداً وهذه المرة في الهند، حيث كشف الدكتور سمير عربات، أخصائي أمراض الرئة التداخلية لـ بوابة صحة، أن تجلط الدم مع متلازمة نقص الصفائح الدموية، لا يقتصر فقط على لقاح أسترازينيكا، ولكنه مرتبط أيضاً بلقاح جونسون آند جونسون، وفي حين أن الآثار الجانبية الخفيفة مثل الحمى والألم شائعة في معظم اللقاحات، فإن الآثار الضارة الشديدة مثل TTS نادرة بشكل استثنائي.
وأشار عربات إلى أن أعراض TTS تشمل ضيق التنفس وألم في الصدر والصداع وزيادة التعرض للكدمات، متابعاً أنه رغم وجود مبررات للقلق من لقاح أسترازينيكا، ومع كون حالات TTS المُبلغ عنها محدودة، فإن ندرة الوفيات المنسوبة إلى TTS بعد التطعيم تؤكد انخفاض معدل حدوثها.
بوابة صحة استكملت بحثها عن إجابات، مع الطبيب المقيم في الإمارات، محمد أسلم، أخصائي أمراض الرئة في المستشفى الدولي الحديث دبي الذي كشف بدوره أن النساء الأصغر سناً هن الأكثر عرضة للآثار الجانبية النادرة للقاح أسترازينيكا، مثل تجلط الدم مع متلازمة نقص الصفيحات، أما الآثار الجانبية الأكثر شيوعاً تكون خفيفة وتظهر خلال الأيام القليلة الأولى بعد التطعيم، وتشمل الألم في موقع الحقن والحمى والتعب والصداع، كما تم الإبلاغ عن آثار جانبية أكثر خطورة، مثل اضطرابات تخثر الدم، ولكنها نادرة للغاية، وتظهر هذه الآثار الخطيرة عادةً في غضون بضعة أيام إلى أسابيع بعد التطعيم.
وأضاف أنه لا توجد اختبارات دم محددة مُوصى بها للتحقق من الآثار الجانبية للقاح أسترازينيكا، ومع ذلك، إذا ظهرت أعراض مثل الصداع المستمر، أو عدم وضوح الرؤية، أو ضيق التنفس، أو ألم في الصدر، أو تورم الساق، أو ألم مستمر في البطن، أو كدمات جلدية غير عادية في غضون أسابيع من تلقي اللقاح، فيجب طلب الرعاية الطبية على الفور.
واختتم "أسلم" حديثه، قائلاً أنه يمكن أن تختلف فعالية لقاح أسترازينيكا ضد أنواع مختلفة من الفيروس، لكنه يوفر بشكل عام حماية كبيرة ضد المرض الناجم عن فيروس كورونا، معتبرا أنه أثبت فاعليته في الوقاية من مرض "كوفيد-19"، وساهم في انخفاض معدل الوفاة ودخول المستشفى.
اختبارات سلامة للقاحات أسترازينيكا
في ظل جائحة كوفيد-19 التي ألقت بظلالها على العالم لم يكن هناك بد من السعي وراء إنتاج اللقاحات بأقصى سرعة ممكنة، وكان هناك هامش من المخاطرة ليس بخافٍ على أحد، لكن الحديث عن أعراض جانبية خطيرة قد تؤدي أحياناً إلى الوفاة أثار الفزع حول العالم، قبل أن تبدأ الآراء الطبية في الظهور تباعاً لتوضح أن تلك الأعراض هي الاستثناء وليست القاعدة وأن اللقاحات ليست مسؤولة بعد مرور كل تلك المدة عن تلك الأعراض، ولكن الأمر على ما يبدو يحتاج إلى المزيد من الدراسة للوصول إلى المزيد من الإجابات.
وأثناء إعداد هذا التحقيق قررت الشركة المصنعة سحب لقاح أسترازينيكا من الأسواق العالمية بعد اكتشاف آثار جانبية نادرة ولكن خطيرة، مثل تكوين جلطات دموية، قائلة إن قرار السحب له دوافع تجارية وليس مرتبطًا بأي دعوى قضائية تواجهها الشركة، وإنما جاء نتيجة لانخفاض الطلب مع توفر البدائل الأحدث.